قال المؤلف -رحمنا الله وإياه: شرح منظومة اللغة العربية لفضيلة الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان
(الْبَابُ الثَّالِثُ
فِي مَرْفُوعَاتِ الأَسْمَاءِ
وَالرَّفْعُ أَبْوَابُهُ سَبْعٌ سَتَسْمَعُهَا *** تُتْلَى عَلَيْكَ بِوَصْفٍ لِلْعُقُولِ جَلِي
فَالْفَاعِلُ اسْمٌ لِفعْلٍ قَدْ تَقَدَّمَهُ *** كَجَاءَ زَيْدٌ، فَقَصِّرْ يَا أَخَا الْعَذَلِ
وَنَائِبُ الْفَاعِلِ اسْمٌ كَانَ مُنْتَصِبًا *** فَصَارَ مُرْتَفِعًا لِلْحَذْفِ فِي الأُوَلِ
كَنِيلَ خَيْرٌ، وَصِيمَ الشَّهْرُ أَجْمَعُهُ، *** وَقِيلَ قَوْلٌ، وَزَيْدٌ بِالْوُشَاةِ بُلِي
وَالْمُبْتَدَا نَحْوَ: زَيْدٌ قَائِمٌ، وَأَنَا *** فِي الدَّارِ، وَهْوَ أَبُوهُ غُيْرُ مُمْتَثِلِ
وَمَا بِهِ تَمَّ مَعْنَى المُبْتُدَا خَبَرٌ *** كَالشَّأْنِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ صَاحِبُ الدُّوَلِ
وَكَانَ تَرْفَعُ مَا قَدْ كَانَ مُبْتَدَأً *** اسْمًا وَتَنْصِبُ مَا قَدْ كَانَ بَعْدُ وَلِي
وَمِثْلُهَا أَدَوَاتٌ أُلْحِقَتْ عَمَلاً *** بِهَا كَأَصْبَحَ ذُو الأَمْوَالِ فِي الْحُلَلِ
وَبَاتَ أَضَحَى وَظَلَّ الْعَبْدُ مُبْتَسِمًا *** وَصَارَ لَيْسَ كِرَامُ النَّاسِ كَالسُّفَلِ
وَأَرْبَعٌ مِثْلُهَا وَالنَّفْيُ يَلْزَمُـهَا *** أَوْ شِبْهُهُ كَالْفَتَى فِي الدَّارِ لَمْ يَزَلِ
وَإَنَّ تَفْعَلُ هذَا الْفِعْـلَ مُنْعَكِسًا *** كَإِنَّ قَوْمَكَ مَعْرُوفـُونَ بِالْجَدَلِ
لَعَلَّ لَيْتَ كَأَنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلٌ *** لكِنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو غَيْرُ مُرْتَحِلِ
وَخُذْ بَقِيَّةَ أَبْوَابِ النَّوَاسِخِ إِذْ *** كَانَتْ ثَلاثًا وَذَاكَ الثُّلْثُ لـَمْ يُقَلِ
فَظَنَّ تَنْصِبُ جُزْأَيْ جُمْلَةٍ نُسِخَتْ *** بِهَا وَضُمَّ لَهَا أَمْثَالَهَا وَسَلِ
مِثَالُهُ: ظَنَّ زَيْدٌ خَالِدًا ثِقَةً، *** وَقَدْ رَأَى النَّاسُ عَمْرًا وَاسِعَ الأَمَلِ
وَتِلْكَ سِتَّةُ أَبْوَابٍ سَأُتْبِعُهَا *** بِالنَّعْتِ وَالْعـَطْفِ وَالتَّوْكِيدِ وَالْبَدَلِ
كَزَيْدٌ الْعَدْلُ قَدْ وَافَى وَخَادِمُهُ *** أَبُو الضِّيَا نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ مَا مَهَلِ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه..
أما بعد..
قلنا في الدرس الماضي: إن الأسماء ثلاثة أنواع: مرفوعة ومنصوبة ومجرورة، وقد عقد الناظم -رحمه الله- بهذه الأنواع الثلاثة ثلاثةَ أبواب، وبدأ بالمرفوعات؛ لأن المرفوعات عُمَدٌ لا يُستغنى عنها في الإسناد، وتعلمون أن الجملة عند النحويين -وعند البلاغيين أيضًا- ما تكونت من: مسند ومسند إليه. فإذا قلت: قام عليٌّ. فـ (قام) مسند، و(عليٌّ) مسند إليه. وإذا قلت -في المبتدأ والخبر: زيدٌ قائم. فـ (زيد) مسند إليه، و(قائم) مسند.
فالمرفوعات لا يُستغنَى عنها في الإسناد، بل إن من المرفوعات ما يكون مُسندًا ومُسندًا إليه في آن واحد، فالمبتدأ مُسند إليه، والخبر مُسند، والفاعل مسند إليه، ونائب الفاعل مسند إليه؛ فلهذا بدأ النحويون بالكلام عن المرفوعات؛ لكونها عُمَدًا لا يستغني عنها الكلام.
والمرفوعات -كما ذكر الناظم- سبعة: الفاعل، ونائب الفاعل، والمبتدأ، والخبر، واسم كان، وخبر إن، والتابع للمرفوع.
وكل واحد من هذه المرفوعات له باب طويل مستقلٌّ في النحو تُبحث في أحكامُه، ونحن -من خلال هذا النظم المختصر- سنلقي الضوء على كل واحد من هذه الأبواب السبعة، وأحاول أن أختار من الأحكام ما يكون له أهمية.
يقول الشيخ -رحمه الله: (وَالرَّفْعُ أَبْوَابُهُ سَبْعٌ). (الرفع) مبتدأ. (أبوابه) مبتدأ ثانٍ. (سبع) خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبرٌ للمبتدأ الأول. واعلم أن المراد بالرفع هنا: المرفوع؛ لأن المؤلف لا يتكلم عن الرفع هنا -فالرفع قد سبق ودرسناه- إنما يتكلم عن الأسماء المرفوعة، إذن الرفع مصدر يراد به اسم المفعول، أي: المرفوع.
قوله: (أبوابُهُ سبعٌ). سبع جاءت هنا مذكرًا، والتقدير: المرفوعات سبعة أبواب. فهذا هو الأصل، فلماذا قال: سبع؟ والمعدود هنا (أبواب)، وهو مذكر، والعدد من ثلاثة إلى تسعة يخالف المعدود، فلماذا قال: سبع؟
الجواب: القاعدة في باب العدد هي: أن المعدود إذا حُذِفَ جاز لك في العدد التذكير والتأنيث. مثاله: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ»(1)... الحديث، أي: ستة أيام. إذن الأصل أن يأتي العدد مؤنثًا، لكن لما كان المعدود -وهو الأيام- محذوفًا، جاء العدد مذكرًا، فلا مانع من هذا، كما في قول الناظم.
قال:
وَالرَّفْعُ أَبْوَابُهُ سَبْعٌ سَتَسْمَعُهَا *** تُتْلَى عَلَيْكَ بِوَصْفٍ للْعُقُولِ جَلِي
(جلي) أي: واضح. و(للعقولِ) على حذف المضاف، والتقدير: بوصف واضح لأصحاب العقول. أي: أن أصحاب العقول وأهل الإدراك يدركون ما سأذكر من هذه المرفوعات؛ لأني سأذكرها بصفة جلية وواضحة، وقوله: (بوصف). توجد في بعض النسخ الشبراوية: (بوضع). لكن (بوصف) أجود.
قال -رحمه الله:
فَالْفَاعِلُ اسْمٌ لِفعْلٍ قَدْ تَقَدَّمَهُ *** كَجَاءَ زَيْدٌ، فَقَصِّرْ يَا أَخَا الْعَذَلِ
هكذا أعطانا الناظم الفاعل في بيت واحد، والفاعل هو النوع الأول من المرفوعات، وله عدة تعريفات، وأحسنها أن يقال: الفاعل: اسم أو ما فيه تأويله، أُسند إليه فعل تام مبني للمعلوم، أو ما في تأويله، مُقدَّم عليه. فقولنا: "اسم". أي صريح، مثل: بكر ومحمد وخالد... فهذا يُسمَّى اسم صريح؛ لأنه وُضع من أول الأمر هكذا. وقولنا: "الذي في تأويله". هو الاسم المسبوك من "أنْ" المصدرية أو "أنَّ" أو "ما" والفعل.
فإذا قلت لشخص: سرني أنك تواظب على الصلاة. أين فاعل سَرَّ؟ لا يوجد اسم صريح، فـ "سَرّ" فعل، و"النون: للوقاية، و"الياء" للمفعول. ثم جاء بعدها: أنك تواظب. "أن" حرف ناسخ. و"الكاف" اسمها. و"تواظب" خبرها. فأين فاعل سر؟ فاعل سر هنا مؤوَّل من: أنَّ واسمها وخبرها، والتقدير: سرني مواظبَتُك. فهل نقول: مواظبتك اسم صريح؟ لا؛ لأنه ليس موجودًا أصلاً في الكلام، ولكننا حصلنا عليه من التأويل، فلما أوَّلنا "أن" مع اسمها وخبرها بمصدر حصلنا على هذا الاسم؛ ولهذا يقال له: اسم مؤول. وهذا معنى قولنا: اسم أو ما في تأويله، أُسند إليه فعل تام. مثل:كتب وخرج... بخلاف الأفعال الناقصة مثل: "كان" فالذي بعدها لا يكون فاعلاً.
قولنا -في تعريف الفاعل: "مبني للمعلوم". لأن الذي بعد المبني للمجهول هو نائب الفاعل، والذي بعد الفعل للمعلوم هو الفاعل، مثل: خرج عليٌّ. كَتَب محمد. لكن لو قلت: كُتِب الدرس. فلا تصلح كلمة الدرس هنا أن تكون فاعلاً؛ لأن الفعل كُتِب ليس مبنيًّا للمعلوم.
قولنا: "أو ما في تأويله". الذي في تأويل الفعل هو الوصف العامل عمل الفعل؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة؛ لأن اسم المفعول تبع نائب الفاعل. فإذا قلت: أحاضر الضيف؟ "الضيف" فاعل، لكن لم يتقدم فعل، بل تقدم وصف مُشْبِه للفعل؛ ولهذا تقول: "الهمزة" للاستفهام، "حاضر" مبتدأ، "الضيف" فاعل سد مسد الخبر. هذا ما يتعلق بتعريف الفاعل.
والفاعل حكمه الرفع، لكن قد يأتي مجرورًا في موضعين:
الموضع الأول: إذا أُضِيف المصدر إلى فاعله.
الموضع الثاني: أن يدخل على الفاعل حرف جر زائد، كما في قول الله -تعالى: ﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ﴾(2).
فلو تأملت الآية، وبحثت: أين الفاعل؟ وأين المفعول؟ الفاعل هو الله، والناس هو المفعول، لكنك تلاحظ أن اسم الله لم يأتِ مرفوعًا، إنما جاء مجرورًا؛ والسبب: أنه أُضيف إلى المصدر؛ ولهذا نقول في الإعراب: "لولا" حرف امتناع لوجود. "دفع" مبتدأ مرفوع. "دفع" مضاف. و"الله" مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله. "الناسَ" مفعول به منصوب للمصدر، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
وقد يكون الفاعل مجرورًا بالحرف -أي: بحرف الجر الزائد- كما في قول الله -تعالى: ﴿مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ﴾(3). ففاعل جاء هو "بشير"، ودخل عليه حرف جر، لكنه حرف زائد فلا يؤثر إلا في اللفظ فقط؛ ولهذا تقول: "من" حرف جر زائد. "بشير" فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
قوله: (الفاعلُ اسمٌ لفعلٍ قد تقدَّمَه). أشار الشيخ بقوله: (قد تقدمه). إلى حكم من أحكام الفاعل وهو أن يتقدمه الفعل، فإن تقدَّمَ الفاعل، فإنه يعرب مبتدأً، ويكون الفاعل ضميرًا مستترًا، فإذا قلت: قام زيد. فتقدم الفعل هنا، لكن لو قلت: زيد قام. فلا تقل: زيد فاعل مقدم. لأن الفاعل لا يتقدم، فتعرب "زيد" مبتدأًَ، وفاعل "قام" ضمير مستتر يعود على زيد.
قوله: (فقصرْ يا أخا العذلِ). مثال آخر؛ لأن فاعل (قصر) ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت، وقد بيَّن الناظم أن الفاعل يكون اسمًا ظاهرًا ويكون ضميرًا. وقوله (يا أخا العَذَلِ). أي: يا صاحب العذْل. والعذْل -بالسكون- هو اللوم، أما ما في البيت فهو بالتحريك.
(الْبَابُ الثَّالِثُ
فِي مَرْفُوعَاتِ الأَسْمَاءِ
وَالرَّفْعُ أَبْوَابُهُ سَبْعٌ سَتَسْمَعُهَا *** تُتْلَى عَلَيْكَ بِوَصْفٍ لِلْعُقُولِ جَلِي
فَالْفَاعِلُ اسْمٌ لِفعْلٍ قَدْ تَقَدَّمَهُ *** كَجَاءَ زَيْدٌ، فَقَصِّرْ يَا أَخَا الْعَذَلِ
وَنَائِبُ الْفَاعِلِ اسْمٌ كَانَ مُنْتَصِبًا *** فَصَارَ مُرْتَفِعًا لِلْحَذْفِ فِي الأُوَلِ
كَنِيلَ خَيْرٌ، وَصِيمَ الشَّهْرُ أَجْمَعُهُ، *** وَقِيلَ قَوْلٌ، وَزَيْدٌ بِالْوُشَاةِ بُلِي
وَالْمُبْتَدَا نَحْوَ: زَيْدٌ قَائِمٌ، وَأَنَا *** فِي الدَّارِ، وَهْوَ أَبُوهُ غُيْرُ مُمْتَثِلِ
وَمَا بِهِ تَمَّ مَعْنَى المُبْتُدَا خَبَرٌ *** كَالشَّأْنِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ صَاحِبُ الدُّوَلِ
وَكَانَ تَرْفَعُ مَا قَدْ كَانَ مُبْتَدَأً *** اسْمًا وَتَنْصِبُ مَا قَدْ كَانَ بَعْدُ وَلِي
وَمِثْلُهَا أَدَوَاتٌ أُلْحِقَتْ عَمَلاً *** بِهَا كَأَصْبَحَ ذُو الأَمْوَالِ فِي الْحُلَلِ
وَبَاتَ أَضَحَى وَظَلَّ الْعَبْدُ مُبْتَسِمًا *** وَصَارَ لَيْسَ كِرَامُ النَّاسِ كَالسُّفَلِ
وَأَرْبَعٌ مِثْلُهَا وَالنَّفْيُ يَلْزَمُـهَا *** أَوْ شِبْهُهُ كَالْفَتَى فِي الدَّارِ لَمْ يَزَلِ
وَإَنَّ تَفْعَلُ هذَا الْفِعْـلَ مُنْعَكِسًا *** كَإِنَّ قَوْمَكَ مَعْرُوفـُونَ بِالْجَدَلِ
لَعَلَّ لَيْتَ كَأَنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلٌ *** لكِنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو غَيْرُ مُرْتَحِلِ
وَخُذْ بَقِيَّةَ أَبْوَابِ النَّوَاسِخِ إِذْ *** كَانَتْ ثَلاثًا وَذَاكَ الثُّلْثُ لـَمْ يُقَلِ
فَظَنَّ تَنْصِبُ جُزْأَيْ جُمْلَةٍ نُسِخَتْ *** بِهَا وَضُمَّ لَهَا أَمْثَالَهَا وَسَلِ
مِثَالُهُ: ظَنَّ زَيْدٌ خَالِدًا ثِقَةً، *** وَقَدْ رَأَى النَّاسُ عَمْرًا وَاسِعَ الأَمَلِ
وَتِلْكَ سِتَّةُ أَبْوَابٍ سَأُتْبِعُهَا *** بِالنَّعْتِ وَالْعـَطْفِ وَالتَّوْكِيدِ وَالْبَدَلِ
كَزَيْدٌ الْعَدْلُ قَدْ وَافَى وَخَادِمُهُ *** أَبُو الضِّيَا نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ مَا مَهَلِ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه..
أما بعد..
قلنا في الدرس الماضي: إن الأسماء ثلاثة أنواع: مرفوعة ومنصوبة ومجرورة، وقد عقد الناظم -رحمه الله- بهذه الأنواع الثلاثة ثلاثةَ أبواب، وبدأ بالمرفوعات؛ لأن المرفوعات عُمَدٌ لا يُستغنى عنها في الإسناد، وتعلمون أن الجملة عند النحويين -وعند البلاغيين أيضًا- ما تكونت من: مسند ومسند إليه. فإذا قلت: قام عليٌّ. فـ (قام) مسند، و(عليٌّ) مسند إليه. وإذا قلت -في المبتدأ والخبر: زيدٌ قائم. فـ (زيد) مسند إليه، و(قائم) مسند.
فالمرفوعات لا يُستغنَى عنها في الإسناد، بل إن من المرفوعات ما يكون مُسندًا ومُسندًا إليه في آن واحد، فالمبتدأ مُسند إليه، والخبر مُسند، والفاعل مسند إليه، ونائب الفاعل مسند إليه؛ فلهذا بدأ النحويون بالكلام عن المرفوعات؛ لكونها عُمَدًا لا يستغني عنها الكلام.
والمرفوعات -كما ذكر الناظم- سبعة: الفاعل، ونائب الفاعل، والمبتدأ، والخبر، واسم كان، وخبر إن، والتابع للمرفوع.
وكل واحد من هذه المرفوعات له باب طويل مستقلٌّ في النحو تُبحث في أحكامُه، ونحن -من خلال هذا النظم المختصر- سنلقي الضوء على كل واحد من هذه الأبواب السبعة، وأحاول أن أختار من الأحكام ما يكون له أهمية.
يقول الشيخ -رحمه الله: (وَالرَّفْعُ أَبْوَابُهُ سَبْعٌ). (الرفع) مبتدأ. (أبوابه) مبتدأ ثانٍ. (سبع) خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبرٌ للمبتدأ الأول. واعلم أن المراد بالرفع هنا: المرفوع؛ لأن المؤلف لا يتكلم عن الرفع هنا -فالرفع قد سبق ودرسناه- إنما يتكلم عن الأسماء المرفوعة، إذن الرفع مصدر يراد به اسم المفعول، أي: المرفوع.
قوله: (أبوابُهُ سبعٌ). سبع جاءت هنا مذكرًا، والتقدير: المرفوعات سبعة أبواب. فهذا هو الأصل، فلماذا قال: سبع؟ والمعدود هنا (أبواب)، وهو مذكر، والعدد من ثلاثة إلى تسعة يخالف المعدود، فلماذا قال: سبع؟
الجواب: القاعدة في باب العدد هي: أن المعدود إذا حُذِفَ جاز لك في العدد التذكير والتأنيث. مثاله: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ»(1)... الحديث، أي: ستة أيام. إذن الأصل أن يأتي العدد مؤنثًا، لكن لما كان المعدود -وهو الأيام- محذوفًا، جاء العدد مذكرًا، فلا مانع من هذا، كما في قول الناظم.
قال:
وَالرَّفْعُ أَبْوَابُهُ سَبْعٌ سَتَسْمَعُهَا *** تُتْلَى عَلَيْكَ بِوَصْفٍ للْعُقُولِ جَلِي
(جلي) أي: واضح. و(للعقولِ) على حذف المضاف، والتقدير: بوصف واضح لأصحاب العقول. أي: أن أصحاب العقول وأهل الإدراك يدركون ما سأذكر من هذه المرفوعات؛ لأني سأذكرها بصفة جلية وواضحة، وقوله: (بوصف). توجد في بعض النسخ الشبراوية: (بوضع). لكن (بوصف) أجود.
قال -رحمه الله:
فَالْفَاعِلُ اسْمٌ لِفعْلٍ قَدْ تَقَدَّمَهُ *** كَجَاءَ زَيْدٌ، فَقَصِّرْ يَا أَخَا الْعَذَلِ
هكذا أعطانا الناظم الفاعل في بيت واحد، والفاعل هو النوع الأول من المرفوعات، وله عدة تعريفات، وأحسنها أن يقال: الفاعل: اسم أو ما فيه تأويله، أُسند إليه فعل تام مبني للمعلوم، أو ما في تأويله، مُقدَّم عليه. فقولنا: "اسم". أي صريح، مثل: بكر ومحمد وخالد... فهذا يُسمَّى اسم صريح؛ لأنه وُضع من أول الأمر هكذا. وقولنا: "الذي في تأويله". هو الاسم المسبوك من "أنْ" المصدرية أو "أنَّ" أو "ما" والفعل.
فإذا قلت لشخص: سرني أنك تواظب على الصلاة. أين فاعل سَرَّ؟ لا يوجد اسم صريح، فـ "سَرّ" فعل، و"النون: للوقاية، و"الياء" للمفعول. ثم جاء بعدها: أنك تواظب. "أن" حرف ناسخ. و"الكاف" اسمها. و"تواظب" خبرها. فأين فاعل سر؟ فاعل سر هنا مؤوَّل من: أنَّ واسمها وخبرها، والتقدير: سرني مواظبَتُك. فهل نقول: مواظبتك اسم صريح؟ لا؛ لأنه ليس موجودًا أصلاً في الكلام، ولكننا حصلنا عليه من التأويل، فلما أوَّلنا "أن" مع اسمها وخبرها بمصدر حصلنا على هذا الاسم؛ ولهذا يقال له: اسم مؤول. وهذا معنى قولنا: اسم أو ما في تأويله، أُسند إليه فعل تام. مثل:كتب وخرج... بخلاف الأفعال الناقصة مثل: "كان" فالذي بعدها لا يكون فاعلاً.
قولنا -في تعريف الفاعل: "مبني للمعلوم". لأن الذي بعد المبني للمجهول هو نائب الفاعل، والذي بعد الفعل للمعلوم هو الفاعل، مثل: خرج عليٌّ. كَتَب محمد. لكن لو قلت: كُتِب الدرس. فلا تصلح كلمة الدرس هنا أن تكون فاعلاً؛ لأن الفعل كُتِب ليس مبنيًّا للمعلوم.
قولنا: "أو ما في تأويله". الذي في تأويل الفعل هو الوصف العامل عمل الفعل؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة؛ لأن اسم المفعول تبع نائب الفاعل. فإذا قلت: أحاضر الضيف؟ "الضيف" فاعل، لكن لم يتقدم فعل، بل تقدم وصف مُشْبِه للفعل؛ ولهذا تقول: "الهمزة" للاستفهام، "حاضر" مبتدأ، "الضيف" فاعل سد مسد الخبر. هذا ما يتعلق بتعريف الفاعل.
والفاعل حكمه الرفع، لكن قد يأتي مجرورًا في موضعين:
الموضع الأول: إذا أُضِيف المصدر إلى فاعله.
الموضع الثاني: أن يدخل على الفاعل حرف جر زائد، كما في قول الله -تعالى: ﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ﴾(2).
فلو تأملت الآية، وبحثت: أين الفاعل؟ وأين المفعول؟ الفاعل هو الله، والناس هو المفعول، لكنك تلاحظ أن اسم الله لم يأتِ مرفوعًا، إنما جاء مجرورًا؛ والسبب: أنه أُضيف إلى المصدر؛ ولهذا نقول في الإعراب: "لولا" حرف امتناع لوجود. "دفع" مبتدأ مرفوع. "دفع" مضاف. و"الله" مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله. "الناسَ" مفعول به منصوب للمصدر، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
وقد يكون الفاعل مجرورًا بالحرف -أي: بحرف الجر الزائد- كما في قول الله -تعالى: ﴿مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ﴾(3). ففاعل جاء هو "بشير"، ودخل عليه حرف جر، لكنه حرف زائد فلا يؤثر إلا في اللفظ فقط؛ ولهذا تقول: "من" حرف جر زائد. "بشير" فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
قوله: (الفاعلُ اسمٌ لفعلٍ قد تقدَّمَه). أشار الشيخ بقوله: (قد تقدمه). إلى حكم من أحكام الفاعل وهو أن يتقدمه الفعل، فإن تقدَّمَ الفاعل، فإنه يعرب مبتدأً، ويكون الفاعل ضميرًا مستترًا، فإذا قلت: قام زيد. فتقدم الفعل هنا، لكن لو قلت: زيد قام. فلا تقل: زيد فاعل مقدم. لأن الفاعل لا يتقدم، فتعرب "زيد" مبتدأًَ، وفاعل "قام" ضمير مستتر يعود على زيد.
قوله: (فقصرْ يا أخا العذلِ). مثال آخر؛ لأن فاعل (قصر) ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت، وقد بيَّن الناظم أن الفاعل يكون اسمًا ظاهرًا ويكون ضميرًا. وقوله (يا أخا العَذَلِ). أي: يا صاحب العذْل. والعذْل -بالسكون- هو اللوم، أما ما في البيت فهو بالتحريك.