ب- معايير جودة المقرر الدراسي :
دعا (الزرنوجي) إلى تجويد الكتاب المقرر وإتقان إخراجه (الوحيدي ، 1990 : 36) فالكتب المراد تعلمها ينبغي أن تكون جيدة وتُُختار بدقة تامة ، ويستدل عليه من خلال مؤلفيها أصحاب التجارب الوثيقة والفكر السديد (رجب ، 1999 : 164) ، ومن أبرز معايير الجودة في الكتاب المعتمد للتعلم – كما أرتأى العلماء المسلمون – ما يلي :
1- احتواؤه على العلم النافع المفيد .
2- الإيجاز ووضوح التعبير قدر الإمكان .
3- الدقة في اختيار البراهين . (رجب ، 1999 : 168)
4- دقة وصحة المعلومات المتضمنة في الكتاب .
5- حسن الخط وجماله . (العاملي ، 1983 : 277)
ج- معايير جودة التحصيل :
الفهم الجيد أساس العلم ، وبدونه لا يمكن تكوين القدرة العلمية الصحيحة ، والتحصيل هو نتاج الجهد التعليمي المبذول وهو مؤشر على جودة العملية التعليمية وإن مجرد الحفظ للمعلومات دون وعي وفهم لا قيمة له وفي ذلك يقول (العاملي ، 1983 : 192) " خبر تدريه خيرٌ من ألف خبر ترويه " ، ويبين (العاملي ، 1983 : 190) لطلاب علم التفسير أن الحفظ ليس مقصود العلم وهدفه ، وأن فائدته تكمن في فهم المعاني على نحو يمكن المتعلم من استخدام ما تعلمه في الأحكام والمواعظ والأمر والنهي. وحث (ابن جماعة، 1933 : 52) المعلم على بذل جهده في تفهيم طلابه وتقريب المعنى لهم .
فتحصيل الطلبة إنما يقاس بدرجة فهمهم وإدراكهم لا بحجم المعلومات التي يحفظونها، ولذا نُصح المعلم بإتاحة الفرص للطلبة من حين لآخر حتى يسألوا ويستفسروا فيوضح لهم ما أبهم (العاملي ، 1983 : 93) . ويتفق هذا مع الاتجاه الجديد في التعليم المعاصر حيث تبنى فكرة التعلم الإتقاني ، الذي يرتكز على إتقان المتعلم للمادة الدراسية والوصول إلى درجة التمكن من المعلومات أو المهارات ، فالمعلمون لا يكتفون بحصول الطالب على درجة النجاح وإنما يحرصون على وصوله إلى أقصى درجة ممكنة من التحصيل . (شحاتة ، 2003: 113)
ج- معايير جودة طريقة التدريس :
تطرق علماء التربية المسلمون ، في مواضع عديدة من كتاباتهم إلى الحديث عن مواصفات الطريقة الجيدة في التدريس والتي تعد عاملاً أساساً في جودة التحصيل وتحقيق الأهداف التعليمية المنشودة ، ويمكن تلخيص هذه المعايير فيما يلي :
1- اعتمادها على التخطيط المحكم :
فمن الطبيعي أن تخطيط المعلم لدرسه ، يجنّب عمله العشوائية ، كما يمكنه من تنظيم عناصر الموقف التعليمي ويساعده على مواجهة المواقف التعليمية بروح معنوية عالية فضلاً عن كونه يساعده على تطوير وتحسين العملية التعليمية من خلال تقديم مقترحات جديدة (الزيور وآخرون ، 1989 : 138 ، 139)، وحث (زادة ، 1968 ، ج1 : 49-53) المعلم على التحضير الجيد لدرسه والاجتهاد في جميع المعلومات الشاردة والواردة من مصادر عديدة ، فالمعلم لا يلقي درسه إلا بعد التأكد من معرفته وإتقانه .
2- تركيز المعلم حديثه على موضوع درسه وعدم الاستطراد في مواضيع جانبية ، تشتت انتباه التلاميذ وتصرفهم عن مقصود الدرس فالمعلم ينبغي ألا يبحث في مقام أو يتكلم على فائدة إلا في موضعها . (ابن جماعة ، 1933 : 38 ، 39)
3- تهيئة المتعلمين للدرس :
ويتم ذلك من خلال :
- الجلوس البارز لجميع الحاضرين وطلاقة الوجه وحسن السلام. (ابن جماعة، 1933 : 68)
- إعطاء المعلم تلاميذه نبذة أو فكرة عن موضوع الدرس مثيراً دوافعهم ومهيئاً أذهانهم . (ابن جماعة ، 1933 : 38).
4- حسن الإلقاء:
انتقد (زادة ، 1968 ، ج1 : 48) المعلم الذي لا يحسن إلقاء درسه ويكتفي بحفظ المعلومات وتلقينها لطلابه واعتبر ذلك سبباً في إهمال المتعلم لقواه وقدراته العقلية .
ولقد أثبتت نتائج الدراسات التربوية الحديثة ، أن الإلقاء الجيد ، أكثر فعالية من تقديم التوجيهات المكتوبة ، خاصة إذا صاحبه التوضيح والتبسيط ، كما أنه وسيلة ناجعة لتنمية الاتجاهات والمثل ، وهذا ما لا يتوفر في الصفحة المطبوعة ذات الأثر الضعيف في هذا المجال . (ريان ، 1984 : 33)
ويؤكد (ابن جماعة ، 1933 : 51 ، 52) على أن الإلقاء الجيد أكثر فائدة وأتم نفعاً ، إذا صاحبه الشرح والتوضيح وحسن التلطف وبذل الجهد من قبل المعلم في تقريب المعنى.
5- مراعاة الرفق بالمتعلم وعدم تحميله أكثر من طاقته :
فالطريقة الجيدة في التدريس ، تراعي القدرة العقلية والجسدية للمتعلم ، فلا يصح للمعلم أن يحمله ما لا يطيق جسده من الجهد والتكليف، حتى لا يسأم وينفر (ابن جماعة، 1933 : 54)، وينسجم هذا مع التوجيه القرآني " لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا " (البقرة ، آية : 286) .
وكان من هدي الرسول في التعليم ، تجزئة المادة التعليمية إلى مجموعات حتى يسهل استيعابها وفي ذلك مراعاة لقدراتهم الذهنية كما أنه يتضمن التيسير على المتعلم ، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف " عن أبي عبد الرحمن قال : حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله أنهم كانوا يقترئون القرآن من رسول الله عشر آيات ، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل قالوا : فعلمنا العلم والعمل " (ابن حنبل ، ب.ت، ج5 : 410) .
6- تأكيدها على استخدام الحواس :
أكد (إخوان الصفا ، 1995 ، ج1 : 399-401) على أن التعلم يتم مباشرة عن طريق الحواس من خلال المباشرة والإحاطة والمخالطة.
وقد انتقد (ابن تيمية ، ج9 : 227) الأساليب التعليمية الشائعة في زمانه والتي تقتصر على مجرد الإخبار والتلقين وحث على استعمال القوى السمعية والحسية .
7- اعتمادها على الحوار :
فحصول الملكة والإتقان، يلزمهما فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية، ويتطلب ذلك انتظام المتعلم في الدراسة حتى ترسخ وتنمو قدراته . (ابن خلدون ، ب.ت : 146)
وأشارت بعض الدراسات الحديثة إلى مزايا الحوار ولخصت آثاره الإيجابية على المتعلم والتي من أبرزها :
- احتواؤه على عنصر التشويق وشحذه للذهن وحثه المتعلم على الانتباه وإغراؤه بالمتابعة مما يبعد عنه الملل ويجدد نشاطه .
- تشجيعه على المبادرة الذاتية والمشاركة الفاعلة في الموقف التعليمي. (الزنتاني، 1993: 205).
8- الاهتمام بالممارسة والتطبيق وعدم الإغراق في التعليم اللفظي :
التلازم بين العلم والعمل هو المبدأ والأساس في تعليمنا الإسلامي وقد عبر عن حالة التفاعل والتكامل بينهما (ابن المقفع) بقوله : " العلم روح والعمل بدن والعلم أصلٌ والعمل فرع والعلم والد والعمل مولود" (شمس الدين ، 1985 : 150) والذي يجهد نفسه في تحصيل المعرفة، ويقف عند حد التحصيل دون التطبيق ، فكأنه مثل الذي يزرع شجرة ما ، يعجبه منظرها لكن لا يستفيد بثمرها (الزمخشري ، 1933 : 198) ، فالممارسة سبيل التعلم كما الصناعات ، فمن أراد تعلّم الكتابة فسبيله أن يتعاطا ما يتعاطاه الكاتب الحاذق وهو التدريب على الخط الحسن حتى يصير له ملكة راسخة (الغزالي ، 1964 : 66 ، 67)، ومن الجدير ذكره في هذا المقام أن تعليمنا المعاصر ، يعتبر أنه لا قيمة لمقدار المعلومات التي يكتسبها الطالب ويقوم بتسميعها ما لم يستطع تطبيقها واستخدامها في المواقف العملية (ريان ، 1984 : 33) .
9- يتيح الفرص للمتعلم لاستخدام أساليب المنهج العلمي :
حذر (الجاحظ) من الاتكال على الحفظ دون تعمق وقد دعا إلى الاعتماد على الملاحظة والفحص والاختبار والتجربة (رجب، 1999 : 20) وأكَّد (ابن خلدون ، ب.ت : 555) على التعلم بالاكتشاف وتفريغ المسائل واستنتاج الأدلة وهذا يزيد طالب العلم تمكناً في قدراته وإيضاحاً للمعاني المقصودة.
10- التنوع في الأساليب بما يلائم الموقف التعليمي :
فالمعلم لا يحتاج إلى إتقان المادة العلمية وامتلاك ناصيتها فحسب ، بل عليه أن يكون عارفاً بأساليب التعلم ، متقناً في تنويعها بما يخدم الموقف التعليمي ويساعده على توصيل المعلومات إلى عقول طلابه بكفاءة عالية . (النحلاوي ، 1982 : 174)
وحث (السعدي ، ب.ت : 651) المعلم على استخدام ما يستطيع من الأساليب كضرب الأمثال والتصوير والتحرير لإيصال المسائل إلى أفهام المتعلمين .
هـ- معايير جودة المذاكرة لدى المتعلم :
لا شك أن معرفة طلاب العلم لعادات الاستذكار السليمة ، مفيدة جداً لزيادة تحصيلهم وتحسين درجاتهم العلمية ودلت الأبحاث العلمية على أن سبب فشل كثير من الطلبة لا يرجع إلى ضعف قدراتهم العقلية بقدر ما يعود إلى جهلهم بأساليب الاستذكار الصحيحة وإلى اكتسابهم عادات استذكار ضارة تعوق فهمهم لدراستهم . (عثمان ، 1996 : 5)
وقدم العلماء المسلمون نصائح لطالب العلم متعلقة بالمذاكرة الجيدة والمنتجة ، وهي بطبيعتها معايير يمكن الاعتماد عليها في الحكم على فعالية طريقة المذاكرة التي ينتهجها طلبة العلم ، ويمكن إجمال أبرز هذه المعايير في الآتي :
1- ارتكازها المسبق على مواظبة المتعلم على حضور الدروس وحسن التوكل على الله عز وجل . (المنظمة العربية للتربية والثقافة ، ج3 ، 1989 : 185)
2- الانتباه والتركيز وعدم تشتت الذهن ويتطلب ذلك اختيار المكان المناسب البعيد عن الملهيات كالأسواق وقوارع الطرق التي تكثر فيها الحركات التي تتمنع من خلو القلب . (العاملي ، 1983 : 127 ، 128)
3- اغتنام الوقت الصالح للمطالعة ، وهو الوقت الذي يشعر فيه المتعلم بالنشاط وهمة البدن وقوة الذهن وصفاء النفس ونباهة الخاطر وقلة الشواغل . (العاملي ، 1983 : 127 ، 128)
4- اختيار الأوقات المناسبة حسب غرض المذاكرة حيث إن " أجود الأوقات للحفظ الأسحار وللبحث الأبكار وللكتابة وسط النهار وللمطالعة والمذاكرة الليل" (ابن جماعة، 1933 : 57) ويلحظ من التقسيمة السابقة لأوقات المذاكرة ، حث العلماء المسلمين المتعلم على بذل الجهد المتواصل والدؤوب في الاطلاع والمذاكرة طوال اليوم بما يكفل إتقان التعلم وتحقيق التفوق الدراسي لديه .
5- التكرار الواعي لما تم حفظه واستيعابه :
دلت التجارب الشخصية على أن تكرار ما تم حفظه وإدراكه جيداً، يثبت في الذهن إلى فترات طويلة من الزمن ومثال ذلك جداول الضرب وبعض أناشيد الطفولة التي رددناها قديماً ولم نزل نحتفظ بها وقد أوصى (العاملي، 1983: 41) المتعلم بأن "يعتني بتصحيح درسه الذي يحفظه حفظاً محكماً ثم يكرره بعد حفظه تكراراً جيداً ثم يتعاهده في أوقات يقررها ليترسخ رسوخاً مؤكداً ويراعيه، بحيث لا يزال محفوظاً جيداً"، وحدد (جابر) لطالبه كيفية معينة في القراءة الصحيحة ، تتمثل في قراءة الكتاب ثلاث مرات متتالية ، الأولى ليتثبت من صحة الألفاظ ومعانيها والثانية لدراسة النص من حيث المعاني المباشرة بغية الوصول إلى المعاني البعيدة والخفية وأما القراءة الثالثة ، فهي تبويب المعاني وتصنيفها حتى يحقق الغرض المرجو من موضوع الدراسة (علي ، 1991 : 334) .
و- معايير جودة المبنى الدراسي :
أشارت العديد من الدراسات العلمية، إلى أهمية موقع ومساحة المبنى الدراسي والشروط الصحية اللازمة لمرافقه وأثر ذلك على جودة العملية التعليمية ، فالمباني الجيدة لها تأثير جيد على صحة شاغليها من التلاميذ والموظفين ، كما أن الحياة المدرسية الصحية ، تؤدي إلى تكوين العادات الصحية وتربي النشء على النواحي المعيشية السليمة (طعيمة وآخرون ، 2006 :253)، ومن وجهة نظر علماء التربية ، فإن مواصفات المبنى الدراسي الجيد تتلخص فيما يلي :
1- تواجد المبنى الدراسي في مكان صحي وهادئ حيث لا غبار ولا دخان ولا إزعاج فيه ولا ضوضاء ، تشغل الفكر وتشوش النفس بشكل يعيق التحصيل .
2- سعة المبنى ووجوده في مكان آمن . (العاملي ، 1983 : 101)
3- احتواؤه على الأبواب والنوافذ والشماسات (مظلة خشبية) تقام فوق الأبواب والنوافذ لتحمي الداخل إليها من الشمس والمطر .
4- اشتماله على المرافق الخدماتية الأساسية ، كالحمامات والمطابخ للطهي والمسجد لإقامة الصلاة وبقربه المتوضأ والساعات لمعرفة الوقت .
5- توافر الناحية الجمالية في المبنى وذلك من خلال وجود الزخارف والفضيات المملوءة بالمياه وسط المبنى إضافة إلى تزيين المباني بالرسومات واللوحات القرآنية التي تحلي العمد والجدران بزخارفها الجميلة والشبابيك النحاسية ذات الأشكال الرائعة. (النقيب، 1984: 109)
ز- معايير الجودة المتعلقة بإدارة الصف :
تحدث علماء التربية المسلمون ، عن مقومات أساسية تشكل عناصر جودة في إدارة
الموقف التعليمي وتساعد على تحقيق الأهداف المنشودة على أتم وجه، ويمكن إجمالها في الآتي:
1- توافر الهدوء وقت الدرس ، وعلى المعلم أن يجتهد في تجنيب مجلسه العلمي ، الأصوات العالية أو الصياح وما شابه ذلك . (ابن جماعة ، 1933 : 40 ، 41)
وما من شك في أن المعلم والتلاميذ في حاجة إلى مناخ تعليمي يتسم بالهدوء حتى يسهل عملية التفاعل المثمر بينهما من ناحية وبين التلاميذ أنفسهم من ناحية أخرى ، وهذا التفاعل يكون نتاجه التعلم الجيد . (شفشق وزميلته ، 1995 : 11) ، وقد حث (السمعاني) المعلم على عدم بدء درسه في جو من الفوضى ، وعليه أن ينتظر حتى يكون الطلبة مهيئين للتعلم ، وطالب المستملي (المعيد) باستنصات الجالسين (رجب ، 1999 : 197)
2- اليقظة التامة للمتعلم وتركيز الانتباه والفكر، ولذلك أثر إيجابي عليه، إذ يقوده الإتقان والعناية بكل ما يتعلم كما يربي فكره على الوضوح واستبعاد اللبس والغموض . (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، 1989 ، ج4 : 38)
ومن واجب المعلم التأكد أثناء درسه من تمام متابعة تلاميذه لما يقول ويمكن التحقق من ذلك بعد الفراغ من شرح فكرة أو عرض عنصر من عناصر درسه من خلال طرح أسئلة متعلقة بما قام بشرحه . (ابن جماعة ، 1933 : 53) .
3- توافر المناخ النفسي والاجتماعي المحفز على التعليم :
- أثبتت نتائج دراسات عديدة أن هناك علاقة قوية بين نوع المناخ السائد أثناء التدريس وكم العمل الذي ينجزه التلاميذ ونوع حصيلة التعلم ، فالجو الذي يشيع فيه الشعور بالدفء والصداقة في العلاقات ، يساعد على تحقيق الكثير من الأهداف ، التي يسعى المعلم إلى بلوغها إضافة إلى أنه يزيد من مستوى دافعية التلاميذ للتعلم ومبادرتهم إلى المشاركة الإيجابية في كل ما تحتويه الخبرات التعليمية من أنشطة . (الزيور وآخرون ، 1989 : 18)
- فالعلاقة الحسنة بين المعلم وطلبته ، من المكونات الرئيسة في أي نظام للإدارة الصفية، وتنعكس هذه العلاقة على سلوك الطلبة من خلال تأثيرها الإيجابي على اتجاهاتهم نحو المعلم والمدرسة بشكل عام ، كما أنها تزيد من احتمالات تعاونهم مع المعلم واتباعهم للتعليمات المدرسية . (هارون ، 2003 : 270)
- وقد اعتبر (الماوردي ، 1973 : 107) أن " أول عوامل التشويق أن تكون بين العالم والمتعلم صلات حسنة " كما أكد (ابن جماعة ، ب.ت : 116) على ضرورة ترغيب الطلبة في التحصيل والتهوين عليهم .
- وحث (الماوردي ، 1973 : 93) المعلمين على "ألا يمنعوا طالباً ولا ينفروا راغباً ولا يؤيّسوا متعلماً لما في ذلك من قطع الرغبة فيهم"، فالمعلم ينبغي أن يكون رفيقاً بتلاميذه، يسلك سلوك هدي الأنبياء وطريقتهم في التبليغ ، حيث الصبر والاحتمال ومقابلة إساءة الناس إليهم بالإحسان والرفق بهم واستجلابهم إلى الله بأحسن الطرق (ابن القيم ، ب.ت ، ج1 : 66) . وينسجم هذا مع منهج الرسول في تعليم أصحابه رضوان الله عليهم، ومن الأمثلة على ذلك ما رواه الإمام مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي " قال : بينما أنا أصلي مع رسول الله إذ عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت : ما شأنكم تنظرون إليّ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمْتونني لكنّي سكت ، فلما صلى الرسول فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فوالله ما ضربني ولا شتمني قال : إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن " (مسلم ، ب.ت ، ج1 : 381).
4- ممارسة المعلم الاتصال اللفظي وغير اللفظي على أفضل وجه :
تعد اللغة أكثر أدوات الاتصال استخداماً ًخلال الأنشطة التعليمية ، كما أن المعلم مصدر الاستثارة الأساسي لدافعية التعلم لدى التلاميذ ، من خلال تعبيره اللفظي وغير اللفظي (راشد ، 1993 : 126) وعادة ما يكون تعلم الطلبة القيام بالأشياء في حالة استخدام المعلم لغة إيجابية أسهل ، كما أن الرسائل اللفظية غير المشجعة ، تستجر مقاومة الطلبة وتمردهم وتؤثر سلباً على دافعية التعلم (هارون ، 2003 : 193-197) ، وأولى العلماء المسلمون اهتماماً كبيراً بلغة المعلم وخطابه الموجه لطلبته ، وقد حددوا له مواصفات لجودة الخطاب واللغة التي يستخدمها مع طلابه والتي يمكن تلخيصها فيما يلي :
- استخدام الكلام اللطيف مع المتعلم وينسجم ذلك مع التوجيه القرآني "قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى" (البقرة ، آية : 363)، وجاء في الحديث الشريف "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" (مسلم ، ب.ت ، ج1 : 268) ، وأوصى (الآجري، 1984: 77) المعلم باستخدام حسن الحديث وطيب الكلام وعدم الخوض في فضول الكلام الزائد عن الضرورة . وحث (العاملي ، 1983 : 178) المعلم على أن يبدأ الدرس بأعذب ما يمكن من الألفاظ .
وما من شك في أن الكلمات اللطيفة ، تشجع الطالب وتقوي روحه المعنوية وتترك في نفسه أحسن الأثر مما يجعله يحب مدرسيه ويتفتح ذهنه للدرس (البقعاوي، 2000 : 281).
- تأنّي المعلم في إلقائه وعدم التعجل ، ليتمكن الطالب من متابعته وإعمال فكره ويصف (ابن جماعة ، 1933 : 123 ، 124) ذلك بقوله : " لا يسرد الكلام سرداً بل يرتله ويرتبه ويتمهل فيه " .
- الاعتدال في الصوت على قدر الحاجة ، فلا يخفض المعلم صوته خفضاً لا يحصل معه تمام الفائدة أو يجهد الآذان في سماعه ولا يرفع صوته إلى درجة التشويش على الطلبة وتصديع رؤوسهم . (ابن جماعة ، 1933 : 188)
- عدم إطالة الكلام خشية السآمة والملل وفتور الطلبة . (رجب ، 1999 : 103)
- توجيه المعلم كلامه إلى الطلاب جميعاً فلا يخصص بحديثه بعضاً دون بعض ولا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض ويكون نظره إليهم جميعاً عند الشرح. (ابن جماعة، 1933 : 151)
- تنويع المعلم في الكلام بما يراعي الفروق الفردية بين التلاميذ وعبر عن هذا قول (العاملي ، 1983 : 166 ، 167) " ولا يعطيه ما لا يحتمله ذهنه ولا يبسط الكلام بسطاً لا يضبطه حفظه ولا يقصر به عما يحتمله بلا مشقة ويخاطب كل واحد منهم على قدر درجته وبحسب فهمه " .
- احترام المتعلمين وتوقيرهم من خلال مناداتهم بأحب الأسماء إليهم ، فإن ذلك أشرح لصدورهم وأبسط لسؤالهم وأجلب لمحبتهم . (العاملي ، 1983 : 165)
- عدم احتكار المعلم للكلام أثناء الدرس وإعطاء فرصة للطلبة لكي يتحدثوا ويعبروا عما يجول في خاطرهم وفي ذلك تأكيد على فعالية المتعلم وإيجابيته فهو ليس مجرد متلقي ، والاتصال اللفظي لا ينبغي أن يسير في اتجاه واحد من المعلم إلى المتعلم وعبر عن هذا قول (ابن جماعة ، 1933 : 139) " إذا فرغ المعلم من مسألة أو فصل سكت قليلاً حتى يتكلم من في نفسه فإذا لم يسكت هذه السكتة فآتت الفائدة " .
- تدعيم المعلم كلامه ، باستخدام اللغة الصامتة غير اللفظية ، كأن يلتفت بوجهه إلى الطلبة جميعاً و"يخص من يكلمه أو يسأله بمزيد من الالتفات والإقبال عليه" (ابن جماعة، 1933: 34)، وطالب (العاملي ، 1983 : 176) المعلم بأن يجلس في موضع يبرز وجهه فيه لجميع الحاضرين ويلتفت إليهم التفاتاً خاصاً بحسب الحاجة للخطاب ، ويفرق النظر عليهم .
5- مراعاة المعلم للدقة في إجابة الأسئلة الموجهة إليه فلا يعيبه أن يقول قولاً ثم يرجع عنه إلى غيره إن بدا له وجه الصواب ، ولا ينبغي له أن يجيب عما لا يعرفه ولا حرج له في ذلك فإذا سئل عما لا يعلم فليقل : لا أعلمه أو لا أدري وهذا بحد ذاته من علامات العلم . (ابن جماعة ، 1933 : 42)
6- إدارة وقت الحصة بكفاءة ، فلا ينبغي للمعلم " أن يطيل الدرس تطويلاً يمل ولا يقصّره تقصيراً يخل ويراعي في ذلك مصلحة الحاضرين في الفائدة حالة التطويل (ابن جماعة ، 1933 : 52) ، وحذر (العاملي ، 1983 : 178) المعلم من إطالة مدة الدرس ، لكونه يمنع الطلبة من فهمه .