سير الغزل مع الحياة أينما سارت، فمنذ أن خلق الله الانسان وجعله جنسين: الذكر والأنثى،
وضع صفة الانجذاب نحو الآخر في كليهما، يعبر الذكر بحرية كبيرة عن ذلك الميل، وتعبر الأنثى بالرمز والايحاء، وحين وجدت القصيدة العربية وكما قال النقاد والمتابعون في مائتي سنة قبل ظهور الاسلام، والشاعر العربي يهتم بعدة مواضيع، عبرت عنها تلك القصائد التي وصلتنا من ذلك العهد، احتل فن الغزل الاهتمام الأكبر لدى الشاعر، وبقي هذا الاهتمام ما بقي الانسان بجنسيه المتوافقين المتعارضين..
كان الشاعرفي عصر ما قبل الاسلام، يستهل قصيدته بفن الغزل، فيقف على أطلال الحبيبة معبرا عن هيامه بها، ولوعته في حبها ومعاناته الشديدة في مقاساة ذلك الحب والتعبير عنه بالكلمات، فكان الغزل انذاك عذريا، اهتم فيه الشعراء بتصوير جمال الحبيبة الروحي، وسمو اخلاقها ولم يصفوا جمال الجسد، لذلك عد الغزل من بين الفنون الأكثر التصاقا بالنفس العربية،والأشد تعبيرا عن مكنوناتها وانفعالاتها، ولكن ذلك الغرض الذي تطرق اليه أغلب الشعراء العرب،منذ عصر ما قبل الإسلام الى عصرنا الحالي شهد تغيرا ملموسا، في عصر الرسول والخلفاء الراشدين، اذ جاء الدين الاسلامي ليحث على مكارم الاخلاق، ويسمو بالنفس الانسانية عن مواضع الضعف والهزيمة،الى عوامل القوة والعزيمة، فتناول الشعراء الاسلاميون غرض الغزل بما لايتنافى مع تعاليم دينهم،ونبل خلقه ومبادئه، ولقد تطور الغزل كثيرا في العصر الأموي بفعل عدة عوامل منها استقرار الحياة، فاستقلت بالغزل قصائد تامة، وبذلك تمت الوحدة العضوية للقصيدة،إذ كانت القصيدة في عصر ما قيل الاسلام تتميز بكثرة مواضيعها، وادى ازدهار فن الغزل في العصر الاموي، الى ظهور حركتين كبيرتين متجاورتين ومتعارضتين، احداهما حركة الغزل العذري، ومن أبرز شعرائها مجنون ليلى وجميل بثينة وكثير عزة،وهذا الغزل طاهر عفيف، سمي بالغزل العذري نسبة الى بني عذرة، الذين كانوا يسكنون في وادي القرى، شمال المدينة المنورة وقيل عنهم : انهم قوم اذا عشقوا ماتوا،وقد وصف النقاد ومؤرخو الأدب حبهم بانه من اقسى انواع الحب، لأنهم أشد خلق الله عشقا، فكانوا مضرب الأمثال في شدة الحب وعفته، وأصبح هذا اللون فنا مستقلا في العصر الأموي، ويتميزالحب العذري بالاقتصار على محبوبة واحدة، والاهتمام بجمال الروح والخلق والابتعاد عن وصف جمال الجسد، والتعبير عن لوعة الشاعر، وألمه من صد الحبيبة والأمل في الحب واليأس من الوصال.....
أشهر شاعر عذري
من أشهر شعراء الغزل العذري جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي، كان فصيحاً مقدماً جامعاً للشعر والرواية. وكان في أول أمره راوية للشعر، كما كان كثير عزة راوية جميل فيما بعد.
يعود نسب جميل بن معمر إلى عذرة وهي بطن من قضاعة من حمير بن سبأ من قحطان من العرب اليمنية. وكان جميلا حسن الخلقة، كريم النفس، باسلاً، جواداً، شاعراً، مطبوعاً.
افتتن ببثينة بنت حيان بن ثعلبة العذرية، من فتيات قومه. خطبها من أبيها فرده وزوجها من رجل آخر. وقد كان العرب ذلك الوقت اذا تغزّل أحد شعرائهم بفتاة معينة، وعرف الناس أمر الحب بينهما، يرفضون طلبه في الزواج منها، فازداد جميل بعد حرمانه من حبيبته الوحيدة، هياماً بها، فتناقل الناس أخبارهما. وقال فيها شعرا رقيقا.
قصد جميل مصر وافدا على عبد العزيز بن مروان، بالفسطاط، فأكرمه عبد العزيز وأمر له بمنزل، فأقام قليلا ومات ودفن في مصر، ولما بلغ بثينة خبر موته حزنت عليه حزنا شديدا وأنشدت مقطوعة في رثائه
من قصائد جميل بثينة التي رددها الناس وتغنى بها العاشقون، قوله
الا ليت أيام الصفاءِ جديدُ
ودهراً تولى يا بثينُ يعودُ
فنغنى كما كنا نكون وأنتُم
صديقٌ وأذا ما تبذلين زهيدُ
خليلي ما أخفي من الوجدِ ظاهرٌ
ودمعي بما أخفي ألغداةَ شهيدُ
إذا قلتُ: مابي يا بثينةُ قاتلي
من الحبِ,قالت:ثابتٌ ويزيدُ
وأن قلتُ رُدي بعض عقلي أعش به
مع الناس قالت:ذاكَ منك بعيدُ
فلا انا مردودٌ بما جئتُ طالباً
ولا حبها فيما يبيدُ يبيدُ
فأفنيتُ عُمري في انتظارِ نَوالِها
وأبليتُ منها الدهرَ وهو جديدُ
علقتُ الهوى منها وليداً فلم يزل
الى اليوم ينمي حُبها ويزيدُ
ألا ليت شعري هل أبيتنَ ليلةً
بوادي القرى إني أذن لسعيدُ
كلمات القصيدة ككل قصائد الغزل بسيطة في متناول المتلقي، لايجد فيها كلمة صعبة الفهم، او معنى يبتعد عنه الذوق، وتتضمن قصة جميل مع بثينة وانتظاره الطويل والذي لايأمل منه نوالا...
الغزل الصريح
أما الحركة الثانية التي عرفها الأدب العربي خلال العصر الأموي، هي فن الغزل الحضري، ومن أبرز شعرائها عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي شاعر قريش وفتاها، وهو أحد شعراء الدولة الأموية، عرف برقة الشعر وعدّ من أعذب من قال شعرا في ذلك العصر، وجعله النقاد من طبقة جرير والفرزدق، ولم يكن في قريش أشعر منه. ولد في الليلة التي توفي بها عمر بن الخطاب سنة 23 هـ، فسمي باسمه.
عرف الفتى الوسيم حياة الغنى والترف واللهو، فانطلق مع الحياة التي تنفتح رحبة،أمام أمثاله ممن رزقوا كل ما حلم به الانسان. وسامة وغنى ونسب عريق، لهى مع اللاهين وأنشد مع المنشدين، وعرفته مجالس الطرب والغناء فارسا، يطلب الحسن في وجوه الجميلات في مكة، وينشده في المدينة والطائف وغيرهما.
رأى في موسم الحج ما تصبو اليه نفسه،من لقاء مع الحسناوات فيرتدي الملابس الموشاة الأنيقة، ويلتقي بالنساء اللاتي أقمن فريضة الحج من الاقطار العربية،المعروفة بجمال نسائها، فيتعرف إليهن، ويرافقهن، ويقول فيهن قصائد غزل ويقص على الناس قصصه معهن . فتمنى لو أن الحج كان مستمرا طوال أيام السنة:
ليت ذا الدهر كان حتما علينا كل يومين حجة واعتمارا
برع الشاعر عمر بن أبي ربيعة في استعمال الأسلوب القصصي، والحوار لوصف النساء اللاتي وقع في حبهن ...و تتميز قصائده بالعذوبة والطابع الموسيقي. وقد تغنى كبار الموسيقيين في ذلك العصر بقصائد ه.
كان عمر بن أبي ربيعة نرجسيا، كثير الاعجاب بنفسه. ويجد القاريء لشعره انه يصور نفسه معشوقا، تقع الحسناوت في حبه، وتتهافت الشهيرات على طلب وده، وانه مشهور لدى نساء المدينة فهو كالقمر لايخفى نوره ..
وقد أودى به غزله الماجن الى أن تتقدم النساء بشكوى ضده لدى الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز..
فنفاه إلى دهلك. لكنه أقلع عن اللهو والمجون وذكر النساء،حين كبر في السن وتوفي عام 93
وقال عمر بن أبي ربيعة ابياتا في الغزل اشتهرت وذاع صيتها، منها :
قف بالطواف ترى الغزال المحرما حج الحجيج فعاد يقصد زمزمـا
عند الطـواف رأيتهـا متلثمـة للركن والحجـر المعظـم تلثمـا
أقسمت بالبيت العتيـق لتخبـري ما الاسم قالت من سلالـة آدمـا
الاسم سلمـى والمنـازل مكـة والدار ما بين الحجـول وغيلمـا
قلت عديني موعـداً أحظـي بـهي أقضي به ما قد قضاه المحرمـا
فتبسمت خجلاً وقالت يـا فتـى أفسدت حجك يا مُحـل المُحرمّـا
فتحرك الركن اليمانـي خشيـةً وبكا الحطيم وجاوبتـه زمزمـا
لـو أن بيـت الله كلّـم عاشقـاً من قبـل هـذا كـاد أن يتكلمـا
أرسلت هندا
أرسلت لما
أبت البخيلة
ألا يا هند
أشارت إلينا
أرقت ولم آرق
أيها العاتب
بانت سليمى
حن قلبي
طال ليلي واعتادني
طال ليلي فما
صرمت حبالك
من عاشق
نعق الغراب
كتبت تعتب
ومن لسقيم
يا ثريا الفؤاد
بالاضافة الى هذين النوعين الشهيرين من الغزل في العصر الأموي، كانت هناك قصائد كثيرة تتضمن غزلا تقليديا، تناوله العديد من الشعراء ...
أسباب ظهور الغزل الحضري
ويسمى ايضا العزل الصريح او الماجن واللاهي..
وقد بين المتابعون ومؤرخو الادب :ان عوامل ظهور هذا اللون من الغزل في العصر الاموي، والذي لم يكن معروفا في البيئة العربية،التي تميل الى المحافظة كثيرة، لعل اهمها الصراع السياسي والقبلي، بين الأحزاب السياسية المعروفة حينذاك،او القبائل التي كانت تتصارع على الاستئثار ببعض المكتسبات التي حصلت في العصر الاموي،حيث تطورت الحياة وزادت الثروات بفعل الفتوحات ودخول عناصر جديدة في الدين الاسلامي، نقلت مميزات حياتها الى المسلمين،فتأثروا بها وحاولوا ان ينقلوا طريقة الحياة، في بلاد فارس والرومان الممتعة الى المسلمين،التي تبعد حياتهم الجادة القاسية عن التمتع بالملذات، كما ان اتساع رقعة الدولة وزيادة عدد سكانها، يعتبر من بين الأسباب القوية التي أدّت الى ازدهار فن الغزل، وقد نظم الشاعر المشهور عمر بن ابي ربيعة الكثير من قصائده في هذا اللون، وأوقف ديوانه على هذا الفن كاملا، وانتشر هذا اللون في المدن الكبيرة،حيث الحضارة والثروة وكثرة الرقيق، فأنتج اللهو والاسراف،وانتشرت ضروب الملاهي والغناء والموسيقى، وينشأ هذا النوع عن تعلق الشاعر بامرأة تستهويه، فيتغنى بمحاسنها ويصور حرقته لبعادها، وتتبدل العواطف، فيمضي الشاعر الى تصوير حبه وتعلقه بامرأة اخرى ..
قد أرجع بعض مؤرخي الادب شيوع هذه الظاهرة،في المدينتين الكبيرتين في الحجاز الى عوامل نفسية واجتماعية، فبعد ان كان العربي سابقا يفني نفسه مع القبيلة، ويتغنى بمفاخرها، مدافعا عن امجادها ورجالاتها، ضد أعدائها، ولم يكن يشعر بنفسه منفردا عن القبيلة،وحين زادت رقعة الدولة وكثرت الثروات،ودخل سكان البلاد الاخرى في الدين الاسلامي، شعر الشباب العربي الموجود في المدن، أنّ الحياة أخذت تحلو في عينيه، لهذا تحول الشعر من الحديث عن الجماعة،والتعبير عن أحوالها وصراعها ضد الأعداء،الى التحدث عن النفس وتطلعلتها وعواطفها، ونلاحظ ذلك التحول جليا في فن الغزل، أكثر من الفنون الآخرى واضحى التغزل باللذات،مفضلا على التعزل بجمال المحبوبات ..
وقد تأثر الغناء العربي بالغناء الفارسي والرومي، وكان من نتائج ذلك التأثر :ازدهار فن الغزل، لعدم وجود قيود في الاختلاط بين الجنسين، ولم يحافظ الشعراء الصريحون على مميزات الغزل التقليدي، الذي كان سائدا في عصر ما قبل الاسلام، وأدّى انتشار الغناء في العصر الاموي،أن يعمد الشعراء الى نظم المقطعات القصيرة، والاهتمام بجمال الايقاع،ودقة اللفظ وبساطة المعاني، مما يسهل على المغني القيام بانشادها، فلم تعد الحاجة الى القصائد الطويلة قائمة، فابتعد جل الشعراء، عن المواضيع التقليدية مثل الحماسة والفخر، وحين تتوفر الأسباب الكثيرة لتطور فن الغناء والموسيقى، فان فن الغزل في مقطوعات قصيرة بسيطة المعاني سهلة الكلمات تتطور ايضا للصة الوثيقة بين الفنين...
وضع صفة الانجذاب نحو الآخر في كليهما، يعبر الذكر بحرية كبيرة عن ذلك الميل، وتعبر الأنثى بالرمز والايحاء، وحين وجدت القصيدة العربية وكما قال النقاد والمتابعون في مائتي سنة قبل ظهور الاسلام، والشاعر العربي يهتم بعدة مواضيع، عبرت عنها تلك القصائد التي وصلتنا من ذلك العهد، احتل فن الغزل الاهتمام الأكبر لدى الشاعر، وبقي هذا الاهتمام ما بقي الانسان بجنسيه المتوافقين المتعارضين..
كان الشاعرفي عصر ما قبل الاسلام، يستهل قصيدته بفن الغزل، فيقف على أطلال الحبيبة معبرا عن هيامه بها، ولوعته في حبها ومعاناته الشديدة في مقاساة ذلك الحب والتعبير عنه بالكلمات، فكان الغزل انذاك عذريا، اهتم فيه الشعراء بتصوير جمال الحبيبة الروحي، وسمو اخلاقها ولم يصفوا جمال الجسد، لذلك عد الغزل من بين الفنون الأكثر التصاقا بالنفس العربية،والأشد تعبيرا عن مكنوناتها وانفعالاتها، ولكن ذلك الغرض الذي تطرق اليه أغلب الشعراء العرب،منذ عصر ما قبل الإسلام الى عصرنا الحالي شهد تغيرا ملموسا، في عصر الرسول والخلفاء الراشدين، اذ جاء الدين الاسلامي ليحث على مكارم الاخلاق، ويسمو بالنفس الانسانية عن مواضع الضعف والهزيمة،الى عوامل القوة والعزيمة، فتناول الشعراء الاسلاميون غرض الغزل بما لايتنافى مع تعاليم دينهم،ونبل خلقه ومبادئه، ولقد تطور الغزل كثيرا في العصر الأموي بفعل عدة عوامل منها استقرار الحياة، فاستقلت بالغزل قصائد تامة، وبذلك تمت الوحدة العضوية للقصيدة،إذ كانت القصيدة في عصر ما قيل الاسلام تتميز بكثرة مواضيعها، وادى ازدهار فن الغزل في العصر الاموي، الى ظهور حركتين كبيرتين متجاورتين ومتعارضتين، احداهما حركة الغزل العذري، ومن أبرز شعرائها مجنون ليلى وجميل بثينة وكثير عزة،وهذا الغزل طاهر عفيف، سمي بالغزل العذري نسبة الى بني عذرة، الذين كانوا يسكنون في وادي القرى، شمال المدينة المنورة وقيل عنهم : انهم قوم اذا عشقوا ماتوا،وقد وصف النقاد ومؤرخو الأدب حبهم بانه من اقسى انواع الحب، لأنهم أشد خلق الله عشقا، فكانوا مضرب الأمثال في شدة الحب وعفته، وأصبح هذا اللون فنا مستقلا في العصر الأموي، ويتميزالحب العذري بالاقتصار على محبوبة واحدة، والاهتمام بجمال الروح والخلق والابتعاد عن وصف جمال الجسد، والتعبير عن لوعة الشاعر، وألمه من صد الحبيبة والأمل في الحب واليأس من الوصال.....
أشهر شاعر عذري
من أشهر شعراء الغزل العذري جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي، كان فصيحاً مقدماً جامعاً للشعر والرواية. وكان في أول أمره راوية للشعر، كما كان كثير عزة راوية جميل فيما بعد.
يعود نسب جميل بن معمر إلى عذرة وهي بطن من قضاعة من حمير بن سبأ من قحطان من العرب اليمنية. وكان جميلا حسن الخلقة، كريم النفس، باسلاً، جواداً، شاعراً، مطبوعاً.
افتتن ببثينة بنت حيان بن ثعلبة العذرية، من فتيات قومه. خطبها من أبيها فرده وزوجها من رجل آخر. وقد كان العرب ذلك الوقت اذا تغزّل أحد شعرائهم بفتاة معينة، وعرف الناس أمر الحب بينهما، يرفضون طلبه في الزواج منها، فازداد جميل بعد حرمانه من حبيبته الوحيدة، هياماً بها، فتناقل الناس أخبارهما. وقال فيها شعرا رقيقا.
قصد جميل مصر وافدا على عبد العزيز بن مروان، بالفسطاط، فأكرمه عبد العزيز وأمر له بمنزل، فأقام قليلا ومات ودفن في مصر، ولما بلغ بثينة خبر موته حزنت عليه حزنا شديدا وأنشدت مقطوعة في رثائه
من قصائد جميل بثينة التي رددها الناس وتغنى بها العاشقون، قوله
الا ليت أيام الصفاءِ جديدُ
ودهراً تولى يا بثينُ يعودُ
فنغنى كما كنا نكون وأنتُم
صديقٌ وأذا ما تبذلين زهيدُ
خليلي ما أخفي من الوجدِ ظاهرٌ
ودمعي بما أخفي ألغداةَ شهيدُ
إذا قلتُ: مابي يا بثينةُ قاتلي
من الحبِ,قالت:ثابتٌ ويزيدُ
وأن قلتُ رُدي بعض عقلي أعش به
مع الناس قالت:ذاكَ منك بعيدُ
فلا انا مردودٌ بما جئتُ طالباً
ولا حبها فيما يبيدُ يبيدُ
فأفنيتُ عُمري في انتظارِ نَوالِها
وأبليتُ منها الدهرَ وهو جديدُ
علقتُ الهوى منها وليداً فلم يزل
الى اليوم ينمي حُبها ويزيدُ
ألا ليت شعري هل أبيتنَ ليلةً
بوادي القرى إني أذن لسعيدُ
كلمات القصيدة ككل قصائد الغزل بسيطة في متناول المتلقي، لايجد فيها كلمة صعبة الفهم، او معنى يبتعد عنه الذوق، وتتضمن قصة جميل مع بثينة وانتظاره الطويل والذي لايأمل منه نوالا...
الغزل الصريح
أما الحركة الثانية التي عرفها الأدب العربي خلال العصر الأموي، هي فن الغزل الحضري، ومن أبرز شعرائها عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي شاعر قريش وفتاها، وهو أحد شعراء الدولة الأموية، عرف برقة الشعر وعدّ من أعذب من قال شعرا في ذلك العصر، وجعله النقاد من طبقة جرير والفرزدق، ولم يكن في قريش أشعر منه. ولد في الليلة التي توفي بها عمر بن الخطاب سنة 23 هـ، فسمي باسمه.
عرف الفتى الوسيم حياة الغنى والترف واللهو، فانطلق مع الحياة التي تنفتح رحبة،أمام أمثاله ممن رزقوا كل ما حلم به الانسان. وسامة وغنى ونسب عريق، لهى مع اللاهين وأنشد مع المنشدين، وعرفته مجالس الطرب والغناء فارسا، يطلب الحسن في وجوه الجميلات في مكة، وينشده في المدينة والطائف وغيرهما.
رأى في موسم الحج ما تصبو اليه نفسه،من لقاء مع الحسناوات فيرتدي الملابس الموشاة الأنيقة، ويلتقي بالنساء اللاتي أقمن فريضة الحج من الاقطار العربية،المعروفة بجمال نسائها، فيتعرف إليهن، ويرافقهن، ويقول فيهن قصائد غزل ويقص على الناس قصصه معهن . فتمنى لو أن الحج كان مستمرا طوال أيام السنة:
ليت ذا الدهر كان حتما علينا كل يومين حجة واعتمارا
برع الشاعر عمر بن أبي ربيعة في استعمال الأسلوب القصصي، والحوار لوصف النساء اللاتي وقع في حبهن ...و تتميز قصائده بالعذوبة والطابع الموسيقي. وقد تغنى كبار الموسيقيين في ذلك العصر بقصائد ه.
كان عمر بن أبي ربيعة نرجسيا، كثير الاعجاب بنفسه. ويجد القاريء لشعره انه يصور نفسه معشوقا، تقع الحسناوت في حبه، وتتهافت الشهيرات على طلب وده، وانه مشهور لدى نساء المدينة فهو كالقمر لايخفى نوره ..
وقد أودى به غزله الماجن الى أن تتقدم النساء بشكوى ضده لدى الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز..
فنفاه إلى دهلك. لكنه أقلع عن اللهو والمجون وذكر النساء،حين كبر في السن وتوفي عام 93
وقال عمر بن أبي ربيعة ابياتا في الغزل اشتهرت وذاع صيتها، منها :
قف بالطواف ترى الغزال المحرما حج الحجيج فعاد يقصد زمزمـا
عند الطـواف رأيتهـا متلثمـة للركن والحجـر المعظـم تلثمـا
أقسمت بالبيت العتيـق لتخبـري ما الاسم قالت من سلالـة آدمـا
الاسم سلمـى والمنـازل مكـة والدار ما بين الحجـول وغيلمـا
قلت عديني موعـداً أحظـي بـهي أقضي به ما قد قضاه المحرمـا
فتبسمت خجلاً وقالت يـا فتـى أفسدت حجك يا مُحـل المُحرمّـا
فتحرك الركن اليمانـي خشيـةً وبكا الحطيم وجاوبتـه زمزمـا
لـو أن بيـت الله كلّـم عاشقـاً من قبـل هـذا كـاد أن يتكلمـا
أرسلت هندا
أرسلت لما
أبت البخيلة
ألا يا هند
أشارت إلينا
أرقت ولم آرق
أيها العاتب
بانت سليمى
حن قلبي
طال ليلي واعتادني
طال ليلي فما
صرمت حبالك
من عاشق
نعق الغراب
كتبت تعتب
ومن لسقيم
يا ثريا الفؤاد
بالاضافة الى هذين النوعين الشهيرين من الغزل في العصر الأموي، كانت هناك قصائد كثيرة تتضمن غزلا تقليديا، تناوله العديد من الشعراء ...
أسباب ظهور الغزل الحضري
ويسمى ايضا العزل الصريح او الماجن واللاهي..
وقد بين المتابعون ومؤرخو الادب :ان عوامل ظهور هذا اللون من الغزل في العصر الاموي، والذي لم يكن معروفا في البيئة العربية،التي تميل الى المحافظة كثيرة، لعل اهمها الصراع السياسي والقبلي، بين الأحزاب السياسية المعروفة حينذاك،او القبائل التي كانت تتصارع على الاستئثار ببعض المكتسبات التي حصلت في العصر الاموي،حيث تطورت الحياة وزادت الثروات بفعل الفتوحات ودخول عناصر جديدة في الدين الاسلامي، نقلت مميزات حياتها الى المسلمين،فتأثروا بها وحاولوا ان ينقلوا طريقة الحياة، في بلاد فارس والرومان الممتعة الى المسلمين،التي تبعد حياتهم الجادة القاسية عن التمتع بالملذات، كما ان اتساع رقعة الدولة وزيادة عدد سكانها، يعتبر من بين الأسباب القوية التي أدّت الى ازدهار فن الغزل، وقد نظم الشاعر المشهور عمر بن ابي ربيعة الكثير من قصائده في هذا اللون، وأوقف ديوانه على هذا الفن كاملا، وانتشر هذا اللون في المدن الكبيرة،حيث الحضارة والثروة وكثرة الرقيق، فأنتج اللهو والاسراف،وانتشرت ضروب الملاهي والغناء والموسيقى، وينشأ هذا النوع عن تعلق الشاعر بامرأة تستهويه، فيتغنى بمحاسنها ويصور حرقته لبعادها، وتتبدل العواطف، فيمضي الشاعر الى تصوير حبه وتعلقه بامرأة اخرى ..
قد أرجع بعض مؤرخي الادب شيوع هذه الظاهرة،في المدينتين الكبيرتين في الحجاز الى عوامل نفسية واجتماعية، فبعد ان كان العربي سابقا يفني نفسه مع القبيلة، ويتغنى بمفاخرها، مدافعا عن امجادها ورجالاتها، ضد أعدائها، ولم يكن يشعر بنفسه منفردا عن القبيلة،وحين زادت رقعة الدولة وكثرت الثروات،ودخل سكان البلاد الاخرى في الدين الاسلامي، شعر الشباب العربي الموجود في المدن، أنّ الحياة أخذت تحلو في عينيه، لهذا تحول الشعر من الحديث عن الجماعة،والتعبير عن أحوالها وصراعها ضد الأعداء،الى التحدث عن النفس وتطلعلتها وعواطفها، ونلاحظ ذلك التحول جليا في فن الغزل، أكثر من الفنون الآخرى واضحى التغزل باللذات،مفضلا على التعزل بجمال المحبوبات ..
وقد تأثر الغناء العربي بالغناء الفارسي والرومي، وكان من نتائج ذلك التأثر :ازدهار فن الغزل، لعدم وجود قيود في الاختلاط بين الجنسين، ولم يحافظ الشعراء الصريحون على مميزات الغزل التقليدي، الذي كان سائدا في عصر ما قبل الاسلام، وأدّى انتشار الغناء في العصر الاموي،أن يعمد الشعراء الى نظم المقطعات القصيرة، والاهتمام بجمال الايقاع،ودقة اللفظ وبساطة المعاني، مما يسهل على المغني القيام بانشادها، فلم تعد الحاجة الى القصائد الطويلة قائمة، فابتعد جل الشعراء، عن المواضيع التقليدية مثل الحماسة والفخر، وحين تتوفر الأسباب الكثيرة لتطور فن الغناء والموسيقى، فان فن الغزل في مقطوعات قصيرة بسيطة المعاني سهلة الكلمات تتطور ايضا للصة الوثيقة بين الفنين...