وردت كلمة ( التذوق ) في معاجم اللغة بمعني الحاسة التي تميز بها طعم الأشياء بواسطة الجهاز الحسي في الفم ومركزه اللسان . وفي الفن والأدب فإن " الذوق حاسة معنوية ، يصدر عنها انبساط النفس وانقباضها لدي النظر في أثر من آثار الفن والأدب.
( مجمع اللغة العربية ، المعجم الوجيز ، 2003 ، 248 ) .
ويري النقاد أن الذوق في أصله استعداد لابد للإنسان فيه ، ولكن لابد لهذا الاستعداد من ثقافة أدبية تنميه ، ويكون ذلك بممارسة الأدب شعره ونثره ، وبمخالطة هذا الأدب المخالطة التي يتنبه فيها الناقد إلي خصائص الأدب ، وما له من المزايا ، فعن طريق الاستعداد والمخالطة للأدب يتربي التذوق الأدبي .( ثريا محجوب 1991 ، 20 )
ويري البعض أن التذوق الأدبي هو :قدرة المتعلم علي تناول النص الأدبي بالتذوق والتحليل ، من خلال إدراك نواحي الجمال ، ودقة المعاني ، وفهم التراكيب ، ودلالاتها ، وتحديد قيمة الصور البيانية ، والتفطن إلي العبارات المبتكرة ، والتحليل الأسلوبي للنص ، ونقد عناصر التجربة الشعرية ، وإقداره علي إصدار الأحكام علي النص .
(أحمد عوض 1992 ، 19 )
ويوضح البعض أن التذوق الأدبى هو : نوع من السلوك ينشأ عن فهم المعاني العميقة في النص الأدبي ، والإحساس بجمال أسلوبه والقدرة علي الحكم عليه بالجودة أو الرداءة . (حسن شحاته 1993 ، 195 ) .
وأشار آخر إلي أن :التذوق هو القدرة التى تجعل صاحبها مستمتعا بمواطن الجمال في العمل الأدبي ، والتعرف علي جودة العمل ورداءته . (محمد مناع 1995، 12)
والتذوق الفني عملية اتصال تقتضي وجود طرفين أحدهما المرسل والثاني المتلقي وبينهما قناة التوصيل ، ورسالة محمولة علي هذه القناة .
بينما يعرف (رشدى طعيمة 1987 ) التذوق بأنه : النشاط الإيجابي الذي يقوم به المتلقي استجابة لنص أدبي بعد تركيز انتباهه عليه وتفاعله معه عقليا ووجدانيا علي نحو يستطيع به تقديره له والحكم عليه . (رشدى طعيمة 1987 ، ص 53 )
ويتخذ هذا النشاط أشكالا بارزة ومتنوعة من السلوك اتفق النقاد وعلماء النفس علي اعتبارهما مميزة للتذوق ، ودالة عليه ، وهذه الأشكال المختلفة من السلوك هي التي يمكن قياسها بثبات عظيم ، وتقدير نسبة التذوق علي أساسها تقديرا كميا وموضوعيا .
بناء علي ما سبق فإنه يمكن القول بأن التذوق الأدبي هو الحصيلة النهائية من دراسه الأدب والبلاغة والنقد وإنه لا يأتي عرضا .
وإنما يحتاج إلي ثقافة عامة ومعايشة لروائع الأدب وممارسه للنصوص بالإضافة إلي الثقافة اللغوية حتي يتحقق للمتعلم ذوق أدبي رفيع يمكنه من الاستمتاع بجمال الأدب وروعته .
العوامل التي تسهم في تكوين التذوق الأدبى :
البيئة : للبيئة أثر عميق في تكوين الأخلاق ، وتمايزها ، فالذوق الحضري يختلف عن البدوي وذوق المترف غير ذوق الفقير .
وهناك الذوق الذي يركن إلي العناصر الخيالية وآخر إلي المعاني القريبة السطحية ، وهناك من لايرضي إلا بصور الترف ، وعمق المعاني والاحتياط في الأداء والصنعة .
(حسنى السيد 1996 ، 45 )
الزمان : رقي الإنسان من عصر لآخر يغير من مقومات حياته ، فنزداد معارفه وتتعمق أفكاره ، وترقي فنونه، ويتضح ذلك في تباين الأذواق عبر العصور .
الشخصية : من أهم المؤثرات في التعامل مع النص اختلاف الميول بين الأفراد مما يؤدي إلي اختلاف في الذوق الأدبي ، وأيضا الحالة النفسية التي يمر بها المتذوق يكون لها أثر كبير في تذوقه للنص .
التربية : تشمل الأسرة والتعليم والتنشئة الخاصة . وهي مؤثرات في الذوق حسب الدراسة و التهذيب ، وحسب ما يناله المتذوق من ثقافة .
(الصديقي محجوب 1989 ،45)
مستوي التفكير: إن التفكير الناقد والابتكاري يؤثر في التذوق الأدبي بدرجة كبيرة ويؤدي إلي قدرة الطلاب على التذوق الأدبي حيث أكدت دراسة (سعيد ذكي 2000 ) على وجود علاقة داله موجبه بين كل من التذوق الأدبي وقدرات التفكير الابتكاري فى مستوى ( الطلاقة – المرونة – الأصالة )
أسلوب النص الأدبي :تكامل المقومات الفنية في النص الأدبي من أفكار عميقة وخيال مبتكر وألفاظ موحيه وموسيقي تأسر المتلقي وتجذب انتباهه للنص الأدبي وتؤدى إلي تذوقه بالإضافة إلي مستوي الشعر نفسه( معقد - متوسط - سهل)
وهذا ما أكدته دراسة (حسنى عصر 1991 ) والتي استهدفت تحديد مادى تأثر التمكن من التذوق الأدبي بمستويات أسلوب الشعر حيث أسفرت الدراسة عن أن النصوص السهلة لا تعين التلاميذ علي التمكن من مهارات التذوق ومن الأدب .
تعدد سنوات الدراسة : ترتفع درجة التذوق بتعدد سنوات الدراسة حيث زيادة الثقافة اللغوية وممارسة أكثر للنصوص الأدبية ومعايشة روائع الأدب وتكوين رؤية نقدية وهذا ما أكدته دراسة (ربيع شعبان 2000 ) علي عينه من طلاب الثانوية الأزهرية حيث أسفرت الدراسة عن ارتفاع مستوي التذوق بارتفاع سنوات الدراسة .
أنماط الذكاءات المتعددة :تؤثر أنماط الذكاءات المتعددة التي يمتلكها كل فرد فى تذوقه الأدبى ؛ فأصحاب الذكاء الموسيقي يهتمون في حكمهم بالإيقاع والقافية والنغم ،ويرون أنه بدون هذه الموسيقي لا يكون الفن جميلاً مهما كانت المعاني المتصلة به وأصحاب الذكاء اللغوي يهتمون بالكلمات ومرادفتها ، والأصوات ومقاطعها .
أما أصحاب الذكاء الاجتماعي فيهتمون بالتجربة الشعرية ، والحالة المزاجية للشاعر ، ودوافعه ومشاعره وهكذا فإن اختلاف نمط الذكاء لدي المتذوق يؤثر علي عملية التذوق ، وقد يكون عاملا من عوامل اختلاف الأذواق . (بدر العمر 2006 ، 50 )
طريقة التدريس والتذوق الأدبي :
اختيار طريقة تدريس تساعد الطلاب على الفهم و إعمال العقل والتحليل والاستنباط وإثراء الخيال ومن شروط هذه الطريقة :
· تدريب الطلاب علي المناقشة التحليل .
· تزويد الطلاب بالخبرات المعرفية المتصلة بالموضوع والتي تعد مدخلا لتذوقه وتكون مجالا للتدريس
· استخدام الوسائل التعليمية المتاحة والتي من شأنها توضيح محتوي النص وإثراء التناول وتحقيق التنوع في العرض الأدبي .
· إقامة المسابقات من أجل دفع الطلاب إلي اتخاذ قرارات تحليلية وخلق التنافس الابداعى لدى الطلاب .
محتوى المنهج :
ثمة أسس ينبغى مراعاتها عند اختيار المنهج .
· مراعاة ميول الطلاب واستغلال قدراتهم اللغوية والعقلية حيث أكدت الدراسات على ميل طلاب المرحلة الثانوية إلى قراءة القصص التاريخية والرومانسية والعلمية وقراءة التراجم، وتعرف طلاب المرحلة الثانوية على روائع الأعمال الأدبية الشعرية والنثرية التى تنمى لديهم الحس الفنى والتذوق الأدبى . (أحمد عبد الحليم 2005 ، 60 )
· تقديم النصوص التى ألفها الطلاب وتدفعهم إلى إعمال الذهن والتعمق فيه.
التقويم والتذوق الأدبي :
للتقويم أهمية كبيرة في قياس التذوق الأدبي حيث إن اقتصار التقويم علي قياس التحصيل وإهمال المستويات المعرفية الأخرى كالتحليل و التركيب أمر يتناسب مع طبيعة التذوق والاهتمام به .
فلابد أن يشمل التقويم شكل النص ومحتواه و المضمون وتوظيف تلك المهارات فى أعمال الطالب الإبداعية . ( فتحي محرز 2001 ، 50 )
عناصر النص الأدبي وعلاقتها بالتذوق :
أولا- تعريف النص الأدبى :
ويقصد بالنص ( كلام المؤلف بدون تحديد نوعه ، كأن يكون من التاريخ أو الجغرافيا أو تاريخ الأدب أو النحو أو البلاغة ...... ثم يأتي المفهوم الثانى ( الأدبى ) فيجعله محددا للنص ، ومقصورا على الأدب بمفهومه الخاص دون غيره من النصوص الأخرى .
فأصبح يدل على التعبير باللفظ الجميل عن المعنى المثير للعواطف المتأثرة بالمشاعر المؤثرة فى القارئ أو السامع . (عادل عجيز 1985 ، 45 )
ثانيا : عناصر العمل الأدبى :
العمل الأدبي شعرا كان أم نثرا يتكون من عنصرين أساسيين هما الفكرة واللفظ ، أو المضمون والشكل، أو المحتوي والصورة .
ولا يمكن الفصل بين هذين العنصرين إلا نظريا ، أما في الواقع العملي فهما متلازمان كل منهما يقتضي الآخر ، لا وجود لأي منهما إلا بوجود الثاني .
(عبد الحميد عبد الله 1995 ، 82 )
وإذا كانت عناصر العمل الأدبي لدي القدماء هي اللفظ والمعني والوزن والقافية فإن اللفظ والقافية هما الشكل ، والمعني يتدرج تحت العاطفة والخيال .
واختلف النقاد في النظر إلي عناصر النص الأدبي تبعا للمدارس النقدية التي ينتمي إليها كل منهم فالقدماء يرجعون هذه العناصر إلي المعني حينا وإلي اللفظ حينا آخر وإليهما معا في أحيان كثيرة .
أما النقاد في العصر الحديث فيجعلون أصول الأثر الأدبي وعناصره في الأسلوب والمعني والعاطفة والخيال . (خفاجي 1995 ، 15 )
ويري الباحثون أن عناصر النص الأدبي تكمن في :
( الألفاظ – العاطفة – الخيال – الأفكار – الصور – الموسيقا – الصياغة ) .
(أحمد عوض 1992 ، 138)
ويمكن توضيح مفهوم كل عنصر من عناصر النص الأدبي وبيان أهميته علي النحو التالي :
الألفاظ :
الألفاظ هي أساس بنية العمل الأدبي ، وهي ليست هدفا في ذاتها ، وقيمتها ليست في شكلها الخارجي ، وإنما قيمتها الحقيقية والجمالية في مدي قدرتها علي خدمة الموقف الذي يثار ، وفي تمكنها من توليد المواقف المطلوبة في السياق الذي ينظمها .
(سلوى شاهين 1999 ، 49 )
والألفاظ ما هي إلا رموز للمعاني ، ومن ثم فهي أشبه بالخطوط والألوان التي ترسم الصورة ، وتعطيها الإطار المكون لها و هذا الإطار هو المعني .
فإذا ما أزلنا هذه الخطوط نكون بذلك قد أزلنا المعني الذي نهدف إلي تحقيقه وإيصاله فالأديب يضع الألفاظ مجاورة لبعضها في إطار شعوري جمالي خاص ، ويشحنها بطاقات هائلة من المعاني أو يلبسها حللا جديدة من الدلالات عن طريق المجاز ، والانتقال بها من دلالاتها المعنوية إلي الدلالة الحسية .
ومن ثم فإنه عند النظر لهذه الألفاظ ، ينبغي النظر إليها من حيث مناسبتها للمعنى. ومدي إيحانها وكذلك من ناحية تراكيبها ومدي صياغتها ومدي ارتباطها بالبيئة .
لأن الكلمات وما تتركب منه من مقاطع صوتية ، وحروف وما تكمن فيه من طاقات دلالية مختلفة هي المادة الأولي التي تتجلي فيها وفي انتقائها واستخدامها أو استغلالها موهبة الأديب المبدع .
وتظهر بها براعته في التعبير عن مشاعره وأخيلته وأفكاره ومعانية ومواقفه الإنسانية المترامية الأبعاد وكل ما يجيش في نفسه ويتبلور في ذهنه .
(أحمد المعتوق 1996 ، 50 )
العاطفة :
تعد العاطفة من العناصر الرئيسية للأدب ، فهي التي تمنح الأدب صفة البقاء والخلود ، والعاطفة هى التى تعطى للإنتاج الأدبي رائحته العطرة وبريقه الأخاذ فما لا يصدر عن عاطفة لا يسمي أدبا .
والعاطفة تختلف عن الفكرة ، إذ أن العاطفة فيها تحرك نفسي والفكرة شئ عقلي . وتفسر العاطفة نفسيا علي أنها انفعال نفسي منظم يتجمع حول شخص أو شىء معين وتتكون عادة من اتصال الفرد بموضوع العاطفة في مواقف مختلفة .
والعاطفة لاتقتصر علي فن أدبي دون آخر . فهي في النثر الفني كما في الشعر . ولكنها تختلف فيهما من ناحية الدرجة . ففي الشعر تكون هدفه الأول . بينما في النثر يحل محلها الفكرة . ومن ثم تجئ العاطفة في الشعر قوية . بينما تكون فى النثر ضعيفة. ( محمد عبد القادر 1984 ، 75)
ومهما تكن نوع العاطفة الموجودة في النص الأدبي أو مصدرها فإنه يشترط أن يتوافر فيها بعض الخصائص الأدبية التي تعد بمثابة مقاييس نقدية للعاطفة فإذا توافرت هذه الخصائص ، كانت العاطفة جيدة وإذا لم تتوافر كانت العاطفة ضعيفة أو غائبة عن النص الأدبي ، وتتمثل هذه الخصائص أو المقاييس فيما يلي :
صدق العاطفة :
ويراد بصدق العاطفة أن تنبعث عن سبب صحيح غير زائف ولا مصطنع ، فيأتي الكلام معبرا عن هذا الشعور الحقيقي الذي اختلج في نفس صاحبه ( المبدع ) .
وهذا ما يجعل الأثر الأدبي له قيمة خالدة ، وأثر قوي في المتلقي أما إذا كان الباعث تافها أو خداعا زائفا كان الأدب سطحيا لا أثر له يبقي .
ولعل مقياس صدق العاطفة هو ما يجعلنا لا نقبل كثيرا من المدائح والمراثي والمقالات والخطب التي أثمرتها حاجات العيش وأغراض السياسة دون أن تكون صادرة من القلب .
فلو كان الأثر الأدبي ثمرة عاطفة ، صادرة من القلب أي عاطفة صادقة ، لوصل إلي المتلقي وأثر فيه ، فقد قيل : إن الكلام إذا خرج من القلب وصل إلي القلب ، وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان .
وفي صدق العاطفة يكمن الفرق بين الأدب المطبوع والأدب المتكلف ، فأما المطبوع فيستهويك ويمتعك ، ويكسبك تجارب شعورية وفكرية جديدة وأما المتكلف فيزعجك وينفرك ويشعرك بالفتور ، ولا يفيدك في شىء . (سلوى شاهين 1997 ، 45)
قوة العاطفة وحيويتها :
لعل قوة العاطفة وحيويتها من المقاييس النقدية المهمة ، إن لم تكن أهمها جميعا ولكن هذا المقياس يذكر في الترتيب الطبيعي بعد سابقه .
فنحن حينما نقرأ نصا نستوثق أولا من صدق العاطفة فإذا تأكدنا من هذا نسأل بعد ذلك أنفسنا : هل حرك النص عواطفنا وأهاج شعورنا ، وبعثه حيا قويا
وليس المراد بقوة العاطفة ثورتها وحدتها ، فقد تكون العاطفة الرزينة الهادئة أبعد أثرا واقوي إيحاء؛ فتكون علي هذا ، أبقي وأخلد ، ولكن المقصود بها قدرة العاطفة علي إيقاظ الحواس لدي المتلقي ، وجعله يتأثر بكل العواطف والمشاعر الموجودة بالنص .
وتعتمد قوة العاطفة علي طبيعة الأديب أولا ، فيجب أن يكون هو قوي الشعور ، عميق العاطفة ليستطيع بث ذلك في نفوس قرائه ، كما تعتمد قوة العاطفة – أيضا – علي قوة الأسلوب ؛ لأن الأديب لا يستطيع أن ينقل عواطفه ومشاعره إلا بقوة الأسلوب.
ثبات العاطفة واستمرارها :
إن صدق العاطفة وقوتها يستلزمان ثباتها واستمرارها ، فالعاطفة الجيدة تقاس – أيضا – بثباتها واستمرارها ولهذا معنيان : الأول : بقاء أثرها في النفوس زمنا طويلا .
فبعض القطع الأدبية تؤثر تأثيرا وقتيا ، وبعضها الآخر يبقي في الذاكرة وفي النفس طويلا ، والمعني الثاني أن تثير القطعة الأدبية شعورا متجانسا أي تكون هناك وحدة في الشعور فلا ينتقل الأديب من شعور إلي آخر من غير صلة .
وليس المقصود أن الكاتب أو الشاعر لا ينتقل مطلقا من عاطفة إلي أخري ، فالعواطف الجزئية قد تتنوع في الأثر الأدبي ، ولكنها مع ذلك خاضعة لهذه الوحدة الشعورية العامة .
فالوصف الرائع يدخل في الرثاء ولكنه يقويه ، ويلبس ثوبه الحزين ، والشكوي تلابس النسيب ولكنها تسنده وتكون من عناصره ، فهذا أمر وارد لكن يجب أن يجمع بين هذه العواطف الجزئية رابط يجعلها متجانسة ومتسلسلة .
( أحمد أبو حاقة 1988 ، 50 )
وربما يرجع قصور الأديب في ثبات العاطفة وبعثها مستعرة إلي واحد من سببين :
الأول : عدم قدرته علي إبقاء العاطفة حية في نفسه طول مدة الكتابة والإبداع ، فقد يعتريه ضعف أو اضطراب أو غموض في عواطفه .
الثاني : انخداع الأديب بالتفخيم اللفظي فيداري به ضعف شعوره واصطناع القوة في غير حق وصدق ، فإذا به يحاول بث شعور لأصل له في نفسه ، ويطالب القراء بما لا يستطيعه هو ، فيسقط أدبه ويموت سريعا .
إذن فثبات العاطفة يقتضي استمرار سلطانها علي نفس المنشئ ( المبدع ) ما دام يؤلف قطعته الأدبية لتبقي القوة شائعة في أجزاء الأثر الأدبي كله ، لا تذهب حرارتها.
ولهذا يشعر المتلقي ببقاء المستوي العاطفي علي روعته مهما تختلف درجة حرارته باختلاف الفقرات والأبيات .
تنوع العاطفة وسعة مجالها :
ويعني بها أن يكون في استطاعة الأديب إذا ما تعرض لنوع من العاطفة أن يستوفي الكلام فيها ، كما يستطيع أن ينوع في كتاباته أو شعره فيمس مشاعرنا ، ويثير العواطف المختلفة في نفوسنا بدرجة قوية كالحماسة والحب والإعجاب والشفقة والإجلال .... إلخ.
ولعل ما يساعد الأديب علي تنوع عواطفه واتساع مجالها ، كثرة التجارب والخبرات ، فالأديب لابد أن يكون واسع المعرفة ، جم المشاعر ، قد ذاق كل طعم ، وتعلق من كل شىء بسبب ، وأحوج الناس إلي سعة العاطفة وتنوعها ، كتاب الروايات والمسرحيات .
لأنهم يعبرون عن عواطف شخصياتهم في نواحي الحياة المختلفة ، وهذا يحتاج – من غير شك إلي غزارة العاطفة وغناها ، وتنوعها . (وحيد حافظ 1997 ، 65 )
الخيال :
الخيال من أهم عناصر الأثر الأدبي ، ويتميز بعلاقته الوطيدة بالعاطفة ، فهو وسيلة إبراز العاطفة ، فالعاطفة القوية تحتاج لخيال واسع ، يساعد علي إظهارها ويزيد من درجة تأثيرها ، وضعف أحداهما يؤثر في ضعف الآخر .
إن حقيقة الخيال غامضة وصعبة التفسير كما يقول ( رسكن ) وهذه القوة التي يودعها الله في كل إنسان يختلف نشاطها من فرد لآخر.(مصطفى هدارة 1987 ، 43 )
وهو قدرة تنمو مع الفرد وتتعذي من تجاربه ، وبهذه القدرة يستطيع أن يشكل صوراً من الطبيعة ، وما يحيط بها ليعبر عن أفكاره .
إن التصوير من المقومات الفنية للعمل الأدبي ؛ فهو الوسيلة والأداة المفضلة لنقل تجربة الأديب . فبين التجربة الشعورية - العاطفة - وبين الخيال ثمة ارتباط بينهما فالخيال هو الذي يصورها ويبعث مثلها في نفوس القراء والسامعين وقوته مرتبطه بقوتها .
فإذا كانت صادقة قوية أنشأت خيالا رائعا ، وإذا كانت سقيمة أو مصطنعه كان الخيال هزيلا سخيفا . (فتحى محرز 2001 ، 50)
فالقيمة الأدبية للخيال تتمثل في نقله الحقائق فى شكل تصاوير مجسمة ، ورؤية القارئ لها كأنها حقيقية حاضرة أمامه .كما أنه يكسب الأسلوب قوة وجمالا .
وهو وسيلة الأديب يري من خلالها العالم رؤيته الخاصة دون الآخرين . والخيال أنواع منه الابتكاري ، ومنه التأليفي ، وهناك البياني أو التفسيري .
الخيال البياني أو التفسيري :
وهذا النوع هو الغالب في أدبنا العربي ، ويقوم علي التقيد بالواقع ، ونقل ما هو موجود حقيقة وجودا ماديا حسيا ، يصفه ويفسره ، وينظر إلي تقاسيمه وأجزائه .
ومعني هذا أن الخيال المفسر خيال حسي لا يتجاوز ما هو واقع تحت طائلة الحواس ، ولا ينفذ إلي صميم الأشياء ليعرف كنهها .بل يقف عند الحدود المادية ، ولا يجرؤ علي ولوج باب التجريد ، ولا يبتدع صاحبه شيئا من خاطره .
والخيال البياني أو التفسيري هو خير وسيلة لوصف الطبيعة وصفا أدبيا رائعا ؛ لأنه قائم علي إدراك جمال الأشياء .ثم اختيار العناصر التي تمثل هذا الجمال تمثيلا قويا . ومن الغريب أن وصف الطبيعة يكون أحيانا أروع من الطبيعة ذاتها ؛ وذلك لأن الوصف الأدبي يختار أجمل ما في الطبيعة من عناصر .فضلا عن أنه يفسر لنا ما فيها من أسباب الجمال التي لا ندركها وحدنا حين نشاهد الطبيعة .
(وحيد حافظ 1997، 70 )
الخيال الابتكاري أو الخلاق :
وهو الذي يختار الأديب عناصره من التجارب المكتسبة ، ويخلق منها صورة جديدة لا تنافي الحياة المعقولة أو المألوفة ، فإن تنافت معها وكان التصوير أو تأليف جزئيات الصورة غير معقول سمي وهما . فالخيال الابتكاري - إذن - هو الذي يخلق صورة تركيبية جديدة لا وجود لها في عالم الواقع ، من لبنات وجزئيات حقيقية الوجود ، يزخر بها عالم الحقيقة ، ويعرفها الأديب من قبل معرفة واعية من خلال تجاربه وخبراته ، وذلك مثل ابتكار الشخصيات الروائية والقصصية.
(حسن جعفر 2005 ، 70 )
الخيال التأليفي أو التصويري :
والخيال التأليفي إنما هو استجابة نفسية لمثير حسي خارجي رأيته أو سمعت عنه أو أحسسته ، فأثار بنفسك انفعالا معينا وهز عاطفتك هزة خاصة جعلتك تستنبط العبرة من ذلك الحدث ، وتربط بين منظره وحالتك ، وذلك كأن يلاحظ أديب شجرة كانت خضراء مزهرة في الربيع ثم أتي عليها الشتاء فعراها من الأوراق والأزهار ، فإذا بالأديب يتأثر بهذا المنظر ، ويعمل فيه خياله، ويستدعي صورا أخري يربط فيها بين حاله، وبين الشجرة ، كان يتذكر أنه كان شابا وأصبح في خريف العمر ، فالصورة الحسية للشجرة هي التي بعثت في النفس صورة جديدة .إذن فالخيال التأليفي يجمع بين الأفكار والصور المتناسبة التي تنتهي إلي أصل عاطفي واحد .هند رجب خليل (2002 ، 60)
الأفكار :
الفكرة أو الحقيقة أو المعني من أهم عناصر العمل الأدبي . فهي تمثل العنصر العقلي في النص . فالأدب ليس أسلوبا وتعبيرا فحسب بل إنه لابد أن يتضمن معاني وأفكاراً .
والأديب مطالب بأن تكون أفكاره صحيحة لا خطأ فيها حتي تؤثر في المتلقي وهي قد تكون قديمة وقد تكن مبتكرة . إن المضمون هو الوعاء الحاوي للنص الأدبي ، ولا تتصور أدبا دون مضمون ، والمضمون قد يبدو جليا، وقد يحتاج إلي إعمال فكر وروية .وعليه فإن الأدب باستطاعته – حسب قدرة الأديب – أن يعبر عن كل شئ محسوس ، ملموس ، مشموم، مرئي ، مسموع ، متخيل ، فكري ، فلسفي ، ديني ، دنيوي . (عاطف جوده 2001 ،51)
إن الفكرة أو الحقيقة هي العنصر الذي يجعل للتجربة الفنية مضمونا يصلح لكل عصر في أي بيئة وللمقومات الفكرية في النص مقاييس وشروط ، ومن أهمها:
ترابط الأفكار :
من شروط النص الجيد أن تترابط أفكاره بصلات وثيقة فتأتي متسلسلة واحدة تلو الأخري ، فيكمل بعضها بعضا ، ويتولد بعضها عن بعض ، فتكون بمثابة سلسلة متماسكة الحلقات ، كلها تخدم الفكرة العامة التي وضعها الأديب نصب عينيه وهو يبدع النص .(سلوى شاهين 1999، 49)
عمق المعاني :
النص الجيد هو ما كانت معانيه عميقة ، ولا نقصد بالعمق الغموض والإبهام ، وإنما نقصد امتداد المعني وثباته أمام التأمل الذهني . فالمعني العميق معني غزير تتولد منه معان كثيرة؛ لذا فهو لا يدرك كله للوهلة الأولي ، وإنما يعطيك الأديب طرفا منه تتعلق به لدي رغبتك في التأمل ، ثم تحس بعد ذلك بدافع قوي داخلي إلي إمعان النظر فيه .
صدق المعاني :
ولا نقصد بالصدق - هنا - خضوع المعاني للقياس الرياضي والتجربة العلمية المادية ، وإنما نقصد به الصدق الأدبي ، أي الصدق في الشعور والإحساس والرؤي والتخيل. (أحمد أمين 1983 ، 42 – 45 )
سمو الأفكار :
المقصود بهذا السمو أن تكون الأفكار التي يدعو إليها النص أفكارا تليق بالإنسان التواق إلي تجاوز أوضاعه الراهنة ، والخروج إلي أوضاع أفضل .
فالفكرة السامية تسهم في الرفع من قدر الإنسان ، وهي أجل قيمة وأطيب صدي من الأفكار الداعية إلي التبذل والسفة ، أو الواقفة موقف اللامبالاة من الإنسان في معترك حياته .(أحمد إبراهيم 1994 ، 70 )
شمول المعاني واتساعها :
من المسلم به أن الأثر الأدبي الجيد هو الذي يتسم باتساع معانيه ، وهو الذي يتأثر به كل من يقرأه . ولا يتم ذلك إلا بعد أن يتفلت المعني الأدبي من قيود الزمان , وقيود المكان ، ويمزق الحجب التي تقف حائلا دون إشعاعه علي كل البشر .
جدة الأفكار ومدي الابتكار فيها :
ويعني بها أن تكون الأفكار التي يتضمنها النص طريفة ومبتكرة وجديدة في استعمالها ولا يستلزم هذا أن تكون الأفكار جديدة لم نسمع عنها من قبل .
فيجوز أن تكون الأفكار معروفة وغير جديدة . فكثير من الآثار الأدبية معانيها معروفة وأفكارها مستعارة عن الآخرين . لكن الأديب يحملها من روحه ، ويلونها بألوان شخصيته وحياته وعصره وتفكيره حتي يخرجها بحلة جديدة كأن معانيها جديدة . (وائل أحمد 2002 ، 70)
الصورة الأدبية :
تستعمل كلمة الصورة – عادة للدلالة علي كل ما له صله بالتعبير الحسي ، وتطلق أحيانا مرادفة للاستعمال الاستعاري للكلمات ، وهي ثمرة عاطفة الأديب ، وما يشعر به في نفسه إزاء الأشياء بعد أن تمتزج بمشاعره ، وما يضفيه عليها من حالاته النفسية والوجدانية .ويكون الانتقال من اللفظ إلي المعني انتقالاً غير مباشر ، بل بضرورة المجاز ، وحينئذ تكون الصورة هي مدار الحسن ، وتكتسب صفه التفرد ، وتعكس ذاتية الشاعر . (مصطفى ناصف 1983 ، 30 )
وإذا كانت الطبيعة وما فيها هي مصدر الصور الأدبية ؛ فإن الأديب يعتمد في نقلها علي الخيال وعناصره البلاغية ( المجاز والاستعارة والتشبيه و الكناية وغير ذلك ) ثم التأليف والسياق اللغوي .
وتعكس الصورة الأدبية قدرة الأديب وتمكنه من اللغة . وإذا كانت لغة الشعر تختلف عن لغة النثر في كون الأولي غامضة إيحائية بعكس لغة النثر التفصيلية.
وهذا لا يعنى أن فن النثر يستغني عن الصور فلابد من الصور التي تأتي علي شكل مباشر ، أو جزئى ، كالصور البلاغية من تشبيه واستعارة , أو علي شكل تأليفي يلتحم ليكون رقعه كاملة مترابطة . (سلوى شاهين 1999 ، 50 )
والاتجاه إلي دراسة الصورة الشعرية هو الاتجاه إلي روح الشعر لأن الصورة تعبر عن نفسية الشاعر وكيانه ، ودراستها تعين علي كشف معني أعمق من المعاني الظاهري للقصيدة والصورة الأدبية تعتمد علي أساسين:
أولهـما : الخيال بعناصره البلاغية وهي( التشبيه ، الاستعارة ، الكناية ، المجاز ).
ثانيهما : العبارة والتأليف اللغوي ودقة الصنع .
وتنقسم الصور إلي نوعين :
· إيحائية تتجاوز التعبير إلي الدلالات الرامزة .
· تقريرية لا تثير أحاسيس ولا ترمز إلي مضامين .
وأما مقياس نقد الصورة الفنية فتكون ( بمدي قدرتها علي خدمة المعني ، استقامتها مع السياق – صحة تركيبها – دقتها التعبيرية – إثارتها للمشاعر ) .
( عبده عوض ( 1992 ، 154 )
الموسيقى :
الموسيقى هي التي تمكن ألفاظ الشعر من تعدي عالم الوعي ، والوصول إلي العالم الذي يجاوز حدوده ، التي تقف دونها الألفاظ المنثورة .
وتتمثل الصياغة الموسيقية في الشعر العربي في بحوره وقوافيه التي وصلت إلينا ناضجة ، بحيث لا نستطيع أن نقطع بشىء في مراحل نشوئها وتطورها .
فالموسيقى هي سمة الشعر وجمالياته ، والتي تميزه من حيث المظهر ، فالشعر في الدرجة الأولي موسيقيا ، ويعد الوزن والقافية من أهم عناصرها .
الوزن هو (مجموعة التفعيلات التي يتألف منها البيت الشعري) .
والقافية هي ( نموذج مركز مكثف للغة الشعر كلها ، والتي تعتمد أساسا علي التوازن في بنيتها العميقة)
وتنقسم الموسيقى إلي ظاهرية : في الوزن والبحور والقوافي .
خفية : في التناغم بين الكلمات والحروف ، والتناسق والانسجام والتلاؤم بين الألفاظ.
وأما مقاييس نقدها : فتبحث عن مدى انسيابها وتوافقها مع التجربة ودقتها ، وعن مدى تناسقها وتلاؤمها ، وانسجامها . (أحمد عبد الرحيم 2006 ، 70)
الصياغة :
وراء كل عمل أدبي جيد جهدا هائلا في الصياغة اللغوية ، جهدا يعتمد علي الثقافة والفكر كما يعتمد علي الشعور ، والصياغة هى العنصر النهائي لعناصر النص الأدبي والتي تعبر عنها كلها .
ومن ثم فإنها تتحقق من خلال طريقتين هما : ( الاختيار والتأليف وهما اللذان يحدثان التشابه والتضاد والترادف والتركيب والتالف السياقي والتجاوز المكاني ) .
إن عنصر الصياغة هو الذي يحقق التمازج الجيد ، والانصهار بين الفئات الستة السابقة للنص الأدبي ولذلك فهي تحتاج إلي جهد كبير من الأديب .
(عثمان جبريل 1989 ، 65 ) منقوووووووووووووووووووووووووووول
( مجمع اللغة العربية ، المعجم الوجيز ، 2003 ، 248 ) .
ويري النقاد أن الذوق في أصله استعداد لابد للإنسان فيه ، ولكن لابد لهذا الاستعداد من ثقافة أدبية تنميه ، ويكون ذلك بممارسة الأدب شعره ونثره ، وبمخالطة هذا الأدب المخالطة التي يتنبه فيها الناقد إلي خصائص الأدب ، وما له من المزايا ، فعن طريق الاستعداد والمخالطة للأدب يتربي التذوق الأدبي .( ثريا محجوب 1991 ، 20 )
ويري البعض أن التذوق الأدبي هو :قدرة المتعلم علي تناول النص الأدبي بالتذوق والتحليل ، من خلال إدراك نواحي الجمال ، ودقة المعاني ، وفهم التراكيب ، ودلالاتها ، وتحديد قيمة الصور البيانية ، والتفطن إلي العبارات المبتكرة ، والتحليل الأسلوبي للنص ، ونقد عناصر التجربة الشعرية ، وإقداره علي إصدار الأحكام علي النص .
(أحمد عوض 1992 ، 19 )
ويوضح البعض أن التذوق الأدبى هو : نوع من السلوك ينشأ عن فهم المعاني العميقة في النص الأدبي ، والإحساس بجمال أسلوبه والقدرة علي الحكم عليه بالجودة أو الرداءة . (حسن شحاته 1993 ، 195 ) .
وأشار آخر إلي أن :التذوق هو القدرة التى تجعل صاحبها مستمتعا بمواطن الجمال في العمل الأدبي ، والتعرف علي جودة العمل ورداءته . (محمد مناع 1995، 12)
والتذوق الفني عملية اتصال تقتضي وجود طرفين أحدهما المرسل والثاني المتلقي وبينهما قناة التوصيل ، ورسالة محمولة علي هذه القناة .
بينما يعرف (رشدى طعيمة 1987 ) التذوق بأنه : النشاط الإيجابي الذي يقوم به المتلقي استجابة لنص أدبي بعد تركيز انتباهه عليه وتفاعله معه عقليا ووجدانيا علي نحو يستطيع به تقديره له والحكم عليه . (رشدى طعيمة 1987 ، ص 53 )
ويتخذ هذا النشاط أشكالا بارزة ومتنوعة من السلوك اتفق النقاد وعلماء النفس علي اعتبارهما مميزة للتذوق ، ودالة عليه ، وهذه الأشكال المختلفة من السلوك هي التي يمكن قياسها بثبات عظيم ، وتقدير نسبة التذوق علي أساسها تقديرا كميا وموضوعيا .
بناء علي ما سبق فإنه يمكن القول بأن التذوق الأدبي هو الحصيلة النهائية من دراسه الأدب والبلاغة والنقد وإنه لا يأتي عرضا .
وإنما يحتاج إلي ثقافة عامة ومعايشة لروائع الأدب وممارسه للنصوص بالإضافة إلي الثقافة اللغوية حتي يتحقق للمتعلم ذوق أدبي رفيع يمكنه من الاستمتاع بجمال الأدب وروعته .
العوامل التي تسهم في تكوين التذوق الأدبى :
البيئة : للبيئة أثر عميق في تكوين الأخلاق ، وتمايزها ، فالذوق الحضري يختلف عن البدوي وذوق المترف غير ذوق الفقير .
وهناك الذوق الذي يركن إلي العناصر الخيالية وآخر إلي المعاني القريبة السطحية ، وهناك من لايرضي إلا بصور الترف ، وعمق المعاني والاحتياط في الأداء والصنعة .
(حسنى السيد 1996 ، 45 )
الزمان : رقي الإنسان من عصر لآخر يغير من مقومات حياته ، فنزداد معارفه وتتعمق أفكاره ، وترقي فنونه، ويتضح ذلك في تباين الأذواق عبر العصور .
الشخصية : من أهم المؤثرات في التعامل مع النص اختلاف الميول بين الأفراد مما يؤدي إلي اختلاف في الذوق الأدبي ، وأيضا الحالة النفسية التي يمر بها المتذوق يكون لها أثر كبير في تذوقه للنص .
التربية : تشمل الأسرة والتعليم والتنشئة الخاصة . وهي مؤثرات في الذوق حسب الدراسة و التهذيب ، وحسب ما يناله المتذوق من ثقافة .
(الصديقي محجوب 1989 ،45)
مستوي التفكير: إن التفكير الناقد والابتكاري يؤثر في التذوق الأدبي بدرجة كبيرة ويؤدي إلي قدرة الطلاب على التذوق الأدبي حيث أكدت دراسة (سعيد ذكي 2000 ) على وجود علاقة داله موجبه بين كل من التذوق الأدبي وقدرات التفكير الابتكاري فى مستوى ( الطلاقة – المرونة – الأصالة )
أسلوب النص الأدبي :تكامل المقومات الفنية في النص الأدبي من أفكار عميقة وخيال مبتكر وألفاظ موحيه وموسيقي تأسر المتلقي وتجذب انتباهه للنص الأدبي وتؤدى إلي تذوقه بالإضافة إلي مستوي الشعر نفسه( معقد - متوسط - سهل)
وهذا ما أكدته دراسة (حسنى عصر 1991 ) والتي استهدفت تحديد مادى تأثر التمكن من التذوق الأدبي بمستويات أسلوب الشعر حيث أسفرت الدراسة عن أن النصوص السهلة لا تعين التلاميذ علي التمكن من مهارات التذوق ومن الأدب .
تعدد سنوات الدراسة : ترتفع درجة التذوق بتعدد سنوات الدراسة حيث زيادة الثقافة اللغوية وممارسة أكثر للنصوص الأدبية ومعايشة روائع الأدب وتكوين رؤية نقدية وهذا ما أكدته دراسة (ربيع شعبان 2000 ) علي عينه من طلاب الثانوية الأزهرية حيث أسفرت الدراسة عن ارتفاع مستوي التذوق بارتفاع سنوات الدراسة .
أنماط الذكاءات المتعددة :تؤثر أنماط الذكاءات المتعددة التي يمتلكها كل فرد فى تذوقه الأدبى ؛ فأصحاب الذكاء الموسيقي يهتمون في حكمهم بالإيقاع والقافية والنغم ،ويرون أنه بدون هذه الموسيقي لا يكون الفن جميلاً مهما كانت المعاني المتصلة به وأصحاب الذكاء اللغوي يهتمون بالكلمات ومرادفتها ، والأصوات ومقاطعها .
أما أصحاب الذكاء الاجتماعي فيهتمون بالتجربة الشعرية ، والحالة المزاجية للشاعر ، ودوافعه ومشاعره وهكذا فإن اختلاف نمط الذكاء لدي المتذوق يؤثر علي عملية التذوق ، وقد يكون عاملا من عوامل اختلاف الأذواق . (بدر العمر 2006 ، 50 )
طريقة التدريس والتذوق الأدبي :
اختيار طريقة تدريس تساعد الطلاب على الفهم و إعمال العقل والتحليل والاستنباط وإثراء الخيال ومن شروط هذه الطريقة :
· تدريب الطلاب علي المناقشة التحليل .
· تزويد الطلاب بالخبرات المعرفية المتصلة بالموضوع والتي تعد مدخلا لتذوقه وتكون مجالا للتدريس
· استخدام الوسائل التعليمية المتاحة والتي من شأنها توضيح محتوي النص وإثراء التناول وتحقيق التنوع في العرض الأدبي .
· إقامة المسابقات من أجل دفع الطلاب إلي اتخاذ قرارات تحليلية وخلق التنافس الابداعى لدى الطلاب .
محتوى المنهج :
ثمة أسس ينبغى مراعاتها عند اختيار المنهج .
· مراعاة ميول الطلاب واستغلال قدراتهم اللغوية والعقلية حيث أكدت الدراسات على ميل طلاب المرحلة الثانوية إلى قراءة القصص التاريخية والرومانسية والعلمية وقراءة التراجم، وتعرف طلاب المرحلة الثانوية على روائع الأعمال الأدبية الشعرية والنثرية التى تنمى لديهم الحس الفنى والتذوق الأدبى . (أحمد عبد الحليم 2005 ، 60 )
· تقديم النصوص التى ألفها الطلاب وتدفعهم إلى إعمال الذهن والتعمق فيه.
التقويم والتذوق الأدبي :
للتقويم أهمية كبيرة في قياس التذوق الأدبي حيث إن اقتصار التقويم علي قياس التحصيل وإهمال المستويات المعرفية الأخرى كالتحليل و التركيب أمر يتناسب مع طبيعة التذوق والاهتمام به .
فلابد أن يشمل التقويم شكل النص ومحتواه و المضمون وتوظيف تلك المهارات فى أعمال الطالب الإبداعية . ( فتحي محرز 2001 ، 50 )
عناصر النص الأدبي وعلاقتها بالتذوق :
أولا- تعريف النص الأدبى :
ويقصد بالنص ( كلام المؤلف بدون تحديد نوعه ، كأن يكون من التاريخ أو الجغرافيا أو تاريخ الأدب أو النحو أو البلاغة ...... ثم يأتي المفهوم الثانى ( الأدبى ) فيجعله محددا للنص ، ومقصورا على الأدب بمفهومه الخاص دون غيره من النصوص الأخرى .
فأصبح يدل على التعبير باللفظ الجميل عن المعنى المثير للعواطف المتأثرة بالمشاعر المؤثرة فى القارئ أو السامع . (عادل عجيز 1985 ، 45 )
ثانيا : عناصر العمل الأدبى :
العمل الأدبي شعرا كان أم نثرا يتكون من عنصرين أساسيين هما الفكرة واللفظ ، أو المضمون والشكل، أو المحتوي والصورة .
ولا يمكن الفصل بين هذين العنصرين إلا نظريا ، أما في الواقع العملي فهما متلازمان كل منهما يقتضي الآخر ، لا وجود لأي منهما إلا بوجود الثاني .
(عبد الحميد عبد الله 1995 ، 82 )
وإذا كانت عناصر العمل الأدبي لدي القدماء هي اللفظ والمعني والوزن والقافية فإن اللفظ والقافية هما الشكل ، والمعني يتدرج تحت العاطفة والخيال .
واختلف النقاد في النظر إلي عناصر النص الأدبي تبعا للمدارس النقدية التي ينتمي إليها كل منهم فالقدماء يرجعون هذه العناصر إلي المعني حينا وإلي اللفظ حينا آخر وإليهما معا في أحيان كثيرة .
أما النقاد في العصر الحديث فيجعلون أصول الأثر الأدبي وعناصره في الأسلوب والمعني والعاطفة والخيال . (خفاجي 1995 ، 15 )
ويري الباحثون أن عناصر النص الأدبي تكمن في :
( الألفاظ – العاطفة – الخيال – الأفكار – الصور – الموسيقا – الصياغة ) .
(أحمد عوض 1992 ، 138)
ويمكن توضيح مفهوم كل عنصر من عناصر النص الأدبي وبيان أهميته علي النحو التالي :
الألفاظ :
الألفاظ هي أساس بنية العمل الأدبي ، وهي ليست هدفا في ذاتها ، وقيمتها ليست في شكلها الخارجي ، وإنما قيمتها الحقيقية والجمالية في مدي قدرتها علي خدمة الموقف الذي يثار ، وفي تمكنها من توليد المواقف المطلوبة في السياق الذي ينظمها .
(سلوى شاهين 1999 ، 49 )
والألفاظ ما هي إلا رموز للمعاني ، ومن ثم فهي أشبه بالخطوط والألوان التي ترسم الصورة ، وتعطيها الإطار المكون لها و هذا الإطار هو المعني .
فإذا ما أزلنا هذه الخطوط نكون بذلك قد أزلنا المعني الذي نهدف إلي تحقيقه وإيصاله فالأديب يضع الألفاظ مجاورة لبعضها في إطار شعوري جمالي خاص ، ويشحنها بطاقات هائلة من المعاني أو يلبسها حللا جديدة من الدلالات عن طريق المجاز ، والانتقال بها من دلالاتها المعنوية إلي الدلالة الحسية .
ومن ثم فإنه عند النظر لهذه الألفاظ ، ينبغي النظر إليها من حيث مناسبتها للمعنى. ومدي إيحانها وكذلك من ناحية تراكيبها ومدي صياغتها ومدي ارتباطها بالبيئة .
لأن الكلمات وما تتركب منه من مقاطع صوتية ، وحروف وما تكمن فيه من طاقات دلالية مختلفة هي المادة الأولي التي تتجلي فيها وفي انتقائها واستخدامها أو استغلالها موهبة الأديب المبدع .
وتظهر بها براعته في التعبير عن مشاعره وأخيلته وأفكاره ومعانية ومواقفه الإنسانية المترامية الأبعاد وكل ما يجيش في نفسه ويتبلور في ذهنه .
(أحمد المعتوق 1996 ، 50 )
العاطفة :
تعد العاطفة من العناصر الرئيسية للأدب ، فهي التي تمنح الأدب صفة البقاء والخلود ، والعاطفة هى التى تعطى للإنتاج الأدبي رائحته العطرة وبريقه الأخاذ فما لا يصدر عن عاطفة لا يسمي أدبا .
والعاطفة تختلف عن الفكرة ، إذ أن العاطفة فيها تحرك نفسي والفكرة شئ عقلي . وتفسر العاطفة نفسيا علي أنها انفعال نفسي منظم يتجمع حول شخص أو شىء معين وتتكون عادة من اتصال الفرد بموضوع العاطفة في مواقف مختلفة .
والعاطفة لاتقتصر علي فن أدبي دون آخر . فهي في النثر الفني كما في الشعر . ولكنها تختلف فيهما من ناحية الدرجة . ففي الشعر تكون هدفه الأول . بينما في النثر يحل محلها الفكرة . ومن ثم تجئ العاطفة في الشعر قوية . بينما تكون فى النثر ضعيفة. ( محمد عبد القادر 1984 ، 75)
ومهما تكن نوع العاطفة الموجودة في النص الأدبي أو مصدرها فإنه يشترط أن يتوافر فيها بعض الخصائص الأدبية التي تعد بمثابة مقاييس نقدية للعاطفة فإذا توافرت هذه الخصائص ، كانت العاطفة جيدة وإذا لم تتوافر كانت العاطفة ضعيفة أو غائبة عن النص الأدبي ، وتتمثل هذه الخصائص أو المقاييس فيما يلي :
صدق العاطفة :
ويراد بصدق العاطفة أن تنبعث عن سبب صحيح غير زائف ولا مصطنع ، فيأتي الكلام معبرا عن هذا الشعور الحقيقي الذي اختلج في نفس صاحبه ( المبدع ) .
وهذا ما يجعل الأثر الأدبي له قيمة خالدة ، وأثر قوي في المتلقي أما إذا كان الباعث تافها أو خداعا زائفا كان الأدب سطحيا لا أثر له يبقي .
ولعل مقياس صدق العاطفة هو ما يجعلنا لا نقبل كثيرا من المدائح والمراثي والمقالات والخطب التي أثمرتها حاجات العيش وأغراض السياسة دون أن تكون صادرة من القلب .
فلو كان الأثر الأدبي ثمرة عاطفة ، صادرة من القلب أي عاطفة صادقة ، لوصل إلي المتلقي وأثر فيه ، فقد قيل : إن الكلام إذا خرج من القلب وصل إلي القلب ، وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان .
وفي صدق العاطفة يكمن الفرق بين الأدب المطبوع والأدب المتكلف ، فأما المطبوع فيستهويك ويمتعك ، ويكسبك تجارب شعورية وفكرية جديدة وأما المتكلف فيزعجك وينفرك ويشعرك بالفتور ، ولا يفيدك في شىء . (سلوى شاهين 1997 ، 45)
قوة العاطفة وحيويتها :
لعل قوة العاطفة وحيويتها من المقاييس النقدية المهمة ، إن لم تكن أهمها جميعا ولكن هذا المقياس يذكر في الترتيب الطبيعي بعد سابقه .
فنحن حينما نقرأ نصا نستوثق أولا من صدق العاطفة فإذا تأكدنا من هذا نسأل بعد ذلك أنفسنا : هل حرك النص عواطفنا وأهاج شعورنا ، وبعثه حيا قويا
وليس المراد بقوة العاطفة ثورتها وحدتها ، فقد تكون العاطفة الرزينة الهادئة أبعد أثرا واقوي إيحاء؛ فتكون علي هذا ، أبقي وأخلد ، ولكن المقصود بها قدرة العاطفة علي إيقاظ الحواس لدي المتلقي ، وجعله يتأثر بكل العواطف والمشاعر الموجودة بالنص .
وتعتمد قوة العاطفة علي طبيعة الأديب أولا ، فيجب أن يكون هو قوي الشعور ، عميق العاطفة ليستطيع بث ذلك في نفوس قرائه ، كما تعتمد قوة العاطفة – أيضا – علي قوة الأسلوب ؛ لأن الأديب لا يستطيع أن ينقل عواطفه ومشاعره إلا بقوة الأسلوب.
ثبات العاطفة واستمرارها :
إن صدق العاطفة وقوتها يستلزمان ثباتها واستمرارها ، فالعاطفة الجيدة تقاس – أيضا – بثباتها واستمرارها ولهذا معنيان : الأول : بقاء أثرها في النفوس زمنا طويلا .
فبعض القطع الأدبية تؤثر تأثيرا وقتيا ، وبعضها الآخر يبقي في الذاكرة وفي النفس طويلا ، والمعني الثاني أن تثير القطعة الأدبية شعورا متجانسا أي تكون هناك وحدة في الشعور فلا ينتقل الأديب من شعور إلي آخر من غير صلة .
وليس المقصود أن الكاتب أو الشاعر لا ينتقل مطلقا من عاطفة إلي أخري ، فالعواطف الجزئية قد تتنوع في الأثر الأدبي ، ولكنها مع ذلك خاضعة لهذه الوحدة الشعورية العامة .
فالوصف الرائع يدخل في الرثاء ولكنه يقويه ، ويلبس ثوبه الحزين ، والشكوي تلابس النسيب ولكنها تسنده وتكون من عناصره ، فهذا أمر وارد لكن يجب أن يجمع بين هذه العواطف الجزئية رابط يجعلها متجانسة ومتسلسلة .
( أحمد أبو حاقة 1988 ، 50 )
وربما يرجع قصور الأديب في ثبات العاطفة وبعثها مستعرة إلي واحد من سببين :
الأول : عدم قدرته علي إبقاء العاطفة حية في نفسه طول مدة الكتابة والإبداع ، فقد يعتريه ضعف أو اضطراب أو غموض في عواطفه .
الثاني : انخداع الأديب بالتفخيم اللفظي فيداري به ضعف شعوره واصطناع القوة في غير حق وصدق ، فإذا به يحاول بث شعور لأصل له في نفسه ، ويطالب القراء بما لا يستطيعه هو ، فيسقط أدبه ويموت سريعا .
إذن فثبات العاطفة يقتضي استمرار سلطانها علي نفس المنشئ ( المبدع ) ما دام يؤلف قطعته الأدبية لتبقي القوة شائعة في أجزاء الأثر الأدبي كله ، لا تذهب حرارتها.
ولهذا يشعر المتلقي ببقاء المستوي العاطفي علي روعته مهما تختلف درجة حرارته باختلاف الفقرات والأبيات .
تنوع العاطفة وسعة مجالها :
ويعني بها أن يكون في استطاعة الأديب إذا ما تعرض لنوع من العاطفة أن يستوفي الكلام فيها ، كما يستطيع أن ينوع في كتاباته أو شعره فيمس مشاعرنا ، ويثير العواطف المختلفة في نفوسنا بدرجة قوية كالحماسة والحب والإعجاب والشفقة والإجلال .... إلخ.
ولعل ما يساعد الأديب علي تنوع عواطفه واتساع مجالها ، كثرة التجارب والخبرات ، فالأديب لابد أن يكون واسع المعرفة ، جم المشاعر ، قد ذاق كل طعم ، وتعلق من كل شىء بسبب ، وأحوج الناس إلي سعة العاطفة وتنوعها ، كتاب الروايات والمسرحيات .
لأنهم يعبرون عن عواطف شخصياتهم في نواحي الحياة المختلفة ، وهذا يحتاج – من غير شك إلي غزارة العاطفة وغناها ، وتنوعها . (وحيد حافظ 1997 ، 65 )
الخيال :
الخيال من أهم عناصر الأثر الأدبي ، ويتميز بعلاقته الوطيدة بالعاطفة ، فهو وسيلة إبراز العاطفة ، فالعاطفة القوية تحتاج لخيال واسع ، يساعد علي إظهارها ويزيد من درجة تأثيرها ، وضعف أحداهما يؤثر في ضعف الآخر .
إن حقيقة الخيال غامضة وصعبة التفسير كما يقول ( رسكن ) وهذه القوة التي يودعها الله في كل إنسان يختلف نشاطها من فرد لآخر.(مصطفى هدارة 1987 ، 43 )
وهو قدرة تنمو مع الفرد وتتعذي من تجاربه ، وبهذه القدرة يستطيع أن يشكل صوراً من الطبيعة ، وما يحيط بها ليعبر عن أفكاره .
إن التصوير من المقومات الفنية للعمل الأدبي ؛ فهو الوسيلة والأداة المفضلة لنقل تجربة الأديب . فبين التجربة الشعورية - العاطفة - وبين الخيال ثمة ارتباط بينهما فالخيال هو الذي يصورها ويبعث مثلها في نفوس القراء والسامعين وقوته مرتبطه بقوتها .
فإذا كانت صادقة قوية أنشأت خيالا رائعا ، وإذا كانت سقيمة أو مصطنعه كان الخيال هزيلا سخيفا . (فتحى محرز 2001 ، 50)
فالقيمة الأدبية للخيال تتمثل في نقله الحقائق فى شكل تصاوير مجسمة ، ورؤية القارئ لها كأنها حقيقية حاضرة أمامه .كما أنه يكسب الأسلوب قوة وجمالا .
وهو وسيلة الأديب يري من خلالها العالم رؤيته الخاصة دون الآخرين . والخيال أنواع منه الابتكاري ، ومنه التأليفي ، وهناك البياني أو التفسيري .
الخيال البياني أو التفسيري :
وهذا النوع هو الغالب في أدبنا العربي ، ويقوم علي التقيد بالواقع ، ونقل ما هو موجود حقيقة وجودا ماديا حسيا ، يصفه ويفسره ، وينظر إلي تقاسيمه وأجزائه .
ومعني هذا أن الخيال المفسر خيال حسي لا يتجاوز ما هو واقع تحت طائلة الحواس ، ولا ينفذ إلي صميم الأشياء ليعرف كنهها .بل يقف عند الحدود المادية ، ولا يجرؤ علي ولوج باب التجريد ، ولا يبتدع صاحبه شيئا من خاطره .
والخيال البياني أو التفسيري هو خير وسيلة لوصف الطبيعة وصفا أدبيا رائعا ؛ لأنه قائم علي إدراك جمال الأشياء .ثم اختيار العناصر التي تمثل هذا الجمال تمثيلا قويا . ومن الغريب أن وصف الطبيعة يكون أحيانا أروع من الطبيعة ذاتها ؛ وذلك لأن الوصف الأدبي يختار أجمل ما في الطبيعة من عناصر .فضلا عن أنه يفسر لنا ما فيها من أسباب الجمال التي لا ندركها وحدنا حين نشاهد الطبيعة .
(وحيد حافظ 1997، 70 )
الخيال الابتكاري أو الخلاق :
وهو الذي يختار الأديب عناصره من التجارب المكتسبة ، ويخلق منها صورة جديدة لا تنافي الحياة المعقولة أو المألوفة ، فإن تنافت معها وكان التصوير أو تأليف جزئيات الصورة غير معقول سمي وهما . فالخيال الابتكاري - إذن - هو الذي يخلق صورة تركيبية جديدة لا وجود لها في عالم الواقع ، من لبنات وجزئيات حقيقية الوجود ، يزخر بها عالم الحقيقة ، ويعرفها الأديب من قبل معرفة واعية من خلال تجاربه وخبراته ، وذلك مثل ابتكار الشخصيات الروائية والقصصية.
(حسن جعفر 2005 ، 70 )
الخيال التأليفي أو التصويري :
والخيال التأليفي إنما هو استجابة نفسية لمثير حسي خارجي رأيته أو سمعت عنه أو أحسسته ، فأثار بنفسك انفعالا معينا وهز عاطفتك هزة خاصة جعلتك تستنبط العبرة من ذلك الحدث ، وتربط بين منظره وحالتك ، وذلك كأن يلاحظ أديب شجرة كانت خضراء مزهرة في الربيع ثم أتي عليها الشتاء فعراها من الأوراق والأزهار ، فإذا بالأديب يتأثر بهذا المنظر ، ويعمل فيه خياله، ويستدعي صورا أخري يربط فيها بين حاله، وبين الشجرة ، كان يتذكر أنه كان شابا وأصبح في خريف العمر ، فالصورة الحسية للشجرة هي التي بعثت في النفس صورة جديدة .إذن فالخيال التأليفي يجمع بين الأفكار والصور المتناسبة التي تنتهي إلي أصل عاطفي واحد .هند رجب خليل (2002 ، 60)
الأفكار :
الفكرة أو الحقيقة أو المعني من أهم عناصر العمل الأدبي . فهي تمثل العنصر العقلي في النص . فالأدب ليس أسلوبا وتعبيرا فحسب بل إنه لابد أن يتضمن معاني وأفكاراً .
والأديب مطالب بأن تكون أفكاره صحيحة لا خطأ فيها حتي تؤثر في المتلقي وهي قد تكون قديمة وقد تكن مبتكرة . إن المضمون هو الوعاء الحاوي للنص الأدبي ، ولا تتصور أدبا دون مضمون ، والمضمون قد يبدو جليا، وقد يحتاج إلي إعمال فكر وروية .وعليه فإن الأدب باستطاعته – حسب قدرة الأديب – أن يعبر عن كل شئ محسوس ، ملموس ، مشموم، مرئي ، مسموع ، متخيل ، فكري ، فلسفي ، ديني ، دنيوي . (عاطف جوده 2001 ،51)
إن الفكرة أو الحقيقة هي العنصر الذي يجعل للتجربة الفنية مضمونا يصلح لكل عصر في أي بيئة وللمقومات الفكرية في النص مقاييس وشروط ، ومن أهمها:
ترابط الأفكار :
من شروط النص الجيد أن تترابط أفكاره بصلات وثيقة فتأتي متسلسلة واحدة تلو الأخري ، فيكمل بعضها بعضا ، ويتولد بعضها عن بعض ، فتكون بمثابة سلسلة متماسكة الحلقات ، كلها تخدم الفكرة العامة التي وضعها الأديب نصب عينيه وهو يبدع النص .(سلوى شاهين 1999، 49)
عمق المعاني :
النص الجيد هو ما كانت معانيه عميقة ، ولا نقصد بالعمق الغموض والإبهام ، وإنما نقصد امتداد المعني وثباته أمام التأمل الذهني . فالمعني العميق معني غزير تتولد منه معان كثيرة؛ لذا فهو لا يدرك كله للوهلة الأولي ، وإنما يعطيك الأديب طرفا منه تتعلق به لدي رغبتك في التأمل ، ثم تحس بعد ذلك بدافع قوي داخلي إلي إمعان النظر فيه .
صدق المعاني :
ولا نقصد بالصدق - هنا - خضوع المعاني للقياس الرياضي والتجربة العلمية المادية ، وإنما نقصد به الصدق الأدبي ، أي الصدق في الشعور والإحساس والرؤي والتخيل. (أحمد أمين 1983 ، 42 – 45 )
سمو الأفكار :
المقصود بهذا السمو أن تكون الأفكار التي يدعو إليها النص أفكارا تليق بالإنسان التواق إلي تجاوز أوضاعه الراهنة ، والخروج إلي أوضاع أفضل .
فالفكرة السامية تسهم في الرفع من قدر الإنسان ، وهي أجل قيمة وأطيب صدي من الأفكار الداعية إلي التبذل والسفة ، أو الواقفة موقف اللامبالاة من الإنسان في معترك حياته .(أحمد إبراهيم 1994 ، 70 )
شمول المعاني واتساعها :
من المسلم به أن الأثر الأدبي الجيد هو الذي يتسم باتساع معانيه ، وهو الذي يتأثر به كل من يقرأه . ولا يتم ذلك إلا بعد أن يتفلت المعني الأدبي من قيود الزمان , وقيود المكان ، ويمزق الحجب التي تقف حائلا دون إشعاعه علي كل البشر .
جدة الأفكار ومدي الابتكار فيها :
ويعني بها أن تكون الأفكار التي يتضمنها النص طريفة ومبتكرة وجديدة في استعمالها ولا يستلزم هذا أن تكون الأفكار جديدة لم نسمع عنها من قبل .
فيجوز أن تكون الأفكار معروفة وغير جديدة . فكثير من الآثار الأدبية معانيها معروفة وأفكارها مستعارة عن الآخرين . لكن الأديب يحملها من روحه ، ويلونها بألوان شخصيته وحياته وعصره وتفكيره حتي يخرجها بحلة جديدة كأن معانيها جديدة . (وائل أحمد 2002 ، 70)
الصورة الأدبية :
تستعمل كلمة الصورة – عادة للدلالة علي كل ما له صله بالتعبير الحسي ، وتطلق أحيانا مرادفة للاستعمال الاستعاري للكلمات ، وهي ثمرة عاطفة الأديب ، وما يشعر به في نفسه إزاء الأشياء بعد أن تمتزج بمشاعره ، وما يضفيه عليها من حالاته النفسية والوجدانية .ويكون الانتقال من اللفظ إلي المعني انتقالاً غير مباشر ، بل بضرورة المجاز ، وحينئذ تكون الصورة هي مدار الحسن ، وتكتسب صفه التفرد ، وتعكس ذاتية الشاعر . (مصطفى ناصف 1983 ، 30 )
وإذا كانت الطبيعة وما فيها هي مصدر الصور الأدبية ؛ فإن الأديب يعتمد في نقلها علي الخيال وعناصره البلاغية ( المجاز والاستعارة والتشبيه و الكناية وغير ذلك ) ثم التأليف والسياق اللغوي .
وتعكس الصورة الأدبية قدرة الأديب وتمكنه من اللغة . وإذا كانت لغة الشعر تختلف عن لغة النثر في كون الأولي غامضة إيحائية بعكس لغة النثر التفصيلية.
وهذا لا يعنى أن فن النثر يستغني عن الصور فلابد من الصور التي تأتي علي شكل مباشر ، أو جزئى ، كالصور البلاغية من تشبيه واستعارة , أو علي شكل تأليفي يلتحم ليكون رقعه كاملة مترابطة . (سلوى شاهين 1999 ، 50 )
والاتجاه إلي دراسة الصورة الشعرية هو الاتجاه إلي روح الشعر لأن الصورة تعبر عن نفسية الشاعر وكيانه ، ودراستها تعين علي كشف معني أعمق من المعاني الظاهري للقصيدة والصورة الأدبية تعتمد علي أساسين:
أولهـما : الخيال بعناصره البلاغية وهي( التشبيه ، الاستعارة ، الكناية ، المجاز ).
ثانيهما : العبارة والتأليف اللغوي ودقة الصنع .
وتنقسم الصور إلي نوعين :
· إيحائية تتجاوز التعبير إلي الدلالات الرامزة .
· تقريرية لا تثير أحاسيس ولا ترمز إلي مضامين .
وأما مقياس نقد الصورة الفنية فتكون ( بمدي قدرتها علي خدمة المعني ، استقامتها مع السياق – صحة تركيبها – دقتها التعبيرية – إثارتها للمشاعر ) .
( عبده عوض ( 1992 ، 154 )
الموسيقى :
الموسيقى هي التي تمكن ألفاظ الشعر من تعدي عالم الوعي ، والوصول إلي العالم الذي يجاوز حدوده ، التي تقف دونها الألفاظ المنثورة .
وتتمثل الصياغة الموسيقية في الشعر العربي في بحوره وقوافيه التي وصلت إلينا ناضجة ، بحيث لا نستطيع أن نقطع بشىء في مراحل نشوئها وتطورها .
فالموسيقى هي سمة الشعر وجمالياته ، والتي تميزه من حيث المظهر ، فالشعر في الدرجة الأولي موسيقيا ، ويعد الوزن والقافية من أهم عناصرها .
الوزن هو (مجموعة التفعيلات التي يتألف منها البيت الشعري) .
والقافية هي ( نموذج مركز مكثف للغة الشعر كلها ، والتي تعتمد أساسا علي التوازن في بنيتها العميقة)
وتنقسم الموسيقى إلي ظاهرية : في الوزن والبحور والقوافي .
خفية : في التناغم بين الكلمات والحروف ، والتناسق والانسجام والتلاؤم بين الألفاظ.
وأما مقاييس نقدها : فتبحث عن مدى انسيابها وتوافقها مع التجربة ودقتها ، وعن مدى تناسقها وتلاؤمها ، وانسجامها . (أحمد عبد الرحيم 2006 ، 70)
الصياغة :
وراء كل عمل أدبي جيد جهدا هائلا في الصياغة اللغوية ، جهدا يعتمد علي الثقافة والفكر كما يعتمد علي الشعور ، والصياغة هى العنصر النهائي لعناصر النص الأدبي والتي تعبر عنها كلها .
ومن ثم فإنها تتحقق من خلال طريقتين هما : ( الاختيار والتأليف وهما اللذان يحدثان التشابه والتضاد والترادف والتركيب والتالف السياقي والتجاوز المكاني ) .
إن عنصر الصياغة هو الذي يحقق التمازج الجيد ، والانصهار بين الفئات الستة السابقة للنص الأدبي ولذلك فهي تحتاج إلي جهد كبير من الأديب .
(عثمان جبريل 1989 ، 65 ) منقوووووووووووووووووووووووووووول