" نظرية اجتماعية، وتختلف النظرية في العلوم الاجتماعية والإنسانية عن النظرية في العلوم الطبيعية؛ فالنظرية الاجتماعية ليست إلا مجموعة من المبادئ المنطقية، تنضوي تحت كل منها حالات فردية، وتتسق تلك الحالات في علاقاتها بتلك المبادئ. وثابت – حتى اليوم- أن النظرية الاجتماعية تتسم بالهشاشة والانفتاح.
ومغزى الهشاشة هو أن مبادئ النظرية الاجتماعية أو مكوناتها لا يرتبط بعضها ببعض بمفاصل صلبة على النحو الذي تجده في النظرية الطبيعية، يؤثر بعضها في بعض، ويتأثر بعضها ببعض على نحو ملموس يتأتى قياسه في صورة كمية.
والانفتاح في النظرية الاجتماعية يعنى أن طرق الوصول إليها مفتوحة – نسبياً- بمعنى أنه يتأتى لأكثر من مفكر أو باحث أن يقعوا عليها في آن واحد، وفي أماكن مختلفة. وهاتان السمتان: "الهشاشة" أو الرخاوة، "والانفتاح" في النظرية الاجتماعية يجعلانها قابلة للتغيير والتحوير، ولتنوع التأويل والتفسير، لدى الأفراد في أوقات مختلفة، ولدى الفرد الواحد في مسيرة نموه العقلي ونضجه المِهْني.
والبنائية في رأي كثير من أهل الرأي هي المقابل العربي لمصطلح في الإنجليزية هو Constructivism، ويلتبس هذا المصطلح في أذهان بعض الناس بنظرية أخرى هي البنيوية Structuralism وهي نظرية مغايرة للبنائية في النشأة، وفي المغزى، وفي التضمينات والتطبيقات.
وأود قبل الانصراف إلى الحديث عن البنائية، أن أتوقف قليلاً أمام "ما وراء المعرفة" المصطلح الثاني في عنوان الندوة، والذي وضعته بين قوسين، تنـبيها إلى أني لا أرى أنه أصح مقابل للمصطلح الإنجليزي: Metacognition؛ وذلك لأسباب أوجزها فيما يلي:
1- كلمة Cognetion تعنى عملية العرفان، وليست ناتج العرفان؛ وناتج العرفان هو المعرفة، التي تعنى في الإنجليزية Knowledge وتعنى في مستوياتها العليا المضامين المعرفية التي تنتمي إلى الأنظمة المعرفية Disclplines المختلفة؛ ولذا فإني أوثر أن أجعل المقابل العربي لـ Cognitive Psychology هو "علم نفس العرفان" وليس "علم النفس المعرفي"؛ وذلك دفعاً للالتباس الذي يقع بين النسبة إلى المعرفة بمعنى مضامين المعرفة في المجالات المختلفة، وفعل المعرفة، الذي يقابله في العربية لفظة العرفان.
2- وتأسيساً على ما تقدم فإني أرى أن المقابل العربي للجزء الثاني في كلمة Meta-Cognetion هو العرفان. ويبقي أن أوضح ماذا تعنى السابقة الإنجليزية (Meta) وما أفضل ما يكون مقابلاً عربياً لها، فأقول: إن هذه السابقة في الإنجليزية تعنى معاني مختلفة، وذلك على الوجه التالي:
بَيْن في مثل : Metacarpus
تغيير الموقع أو الحالة في مثل : Metpolism
خلف، أو بَعْد في مثل : Metathorax
ما هو متجاوز لمعنى الجزء الثاني في الكلمة في مثل :Metalinguistics
الشبيه Similar في التركيب الكيمائي في مثل : Metphosphate
نقطة التلاقي أو التبادل في مثل : Metacenter
ما سبق، وما قبل في مثل : Metalaw
وإزاء هذا التباين في معنى السابقة "Meta" فإن المقابل العربي لكلمة Metacognition يجب ألا ينظر فيه إلى الترجمة اللفظية (كلمة عربية في مقابل كلمة أجنبية)؛ وإنما يجب أن ينظر فيه إلى ترجمة المفهوم، فمـاذا يعنـى المفهـوم الـذي اصطلــح علـى تسميته Metacognition؟ إنه يعنى فيما أرى ما يلي:
ة جديدة".
وأزعم لهذا التعريف – إذا سلّم به- أنه يؤكد على أثر الخبرات السابقة في تشكيل المعاني والتراكيب الذهنية الجديدة، وأنه يجمع – في وقت واحد- ما يشير إلى مضامين المعارف والخبرات السابقة Content كما يشير إلى عمليات التفكير ومجرياته.
ولابد أن أشير في هذا المقام إلى أن درجة الوعى ومدى القدرة على ضبطه والتحكم فيه تختلف من شخص إلى آخر، والثابت – في حدود ما أعرف- حتى اليوم هو أن استثارة الخبرات والمعارف السابقة تشغل مساحة واسعة في استراتيجيات "التعلم" الآن.
وأخلص من كل ما قدمت إلى اقتراح أن يكون المقابل العربي لمصطلح Metacognition هو "القبليات العرفانية" على النحو الذي حددته في فقرة سابقة؛ ومعذرة إذا كان هذا المهاد قد طال واستطال، وعذري في الإطالة أنها ضرورية وأساسية.
وأنهى هذا المهاد بأني لا استحسن أن يكون المقابل هو "ما وراء المعرفة"؛ لأن مضمونه ومغزاه –عندي- هو "ما قبل"، وليس "ما وراء"، كما أني لا استحسن أن يكون المقابل "ما وراء الإدراك" لأن كلمة الإدراك تنصرف –في الأعم الأغلب- إلى الإدراك الحسي Perception وهو أقل من المراد بكلمة Metacognition، وكذلك فأني لا أزكي أن يكون المقابل هو "المعرفة الماورائية".
البنائية لفظة جذابة، تعادل في جاذبيتها ألفاظ أخرى مثل: الحرية، والتحرر، والديمقراطية، والحداثة، وما بعد الحداثة، ونحو ذلك من الكلمات التي يكثر ترديدها؛ لأغراض مختلفة، تجلب لمردديها راحة نفسية، وتوشي بانتمائهم إلى فريق معين من المفكرين.
والنظرية البنائية ليست شعاراً سياسياً على نحو ما نجد في كتابات بعض المسئولين عن التعليم في البلاد العربية حين يقول أحدهم (مثلاً): "التعليم للتمييز والتمييز للجميع"، أو "إن التعليم يعنى صناعة التفوق"، أو "فكر عالمياً ونفذ محلياً".
وقد دلتني قراءة عينة مما كُتب عن "البنائية" على أنها تمثل نوعاً من المعرفة البينية "Interdisciplinary"، فهي تجسيم جيد وتوحيد متميز لروافد شتى، انبثقت من أنظمة معرفية متنوعة Multidisciplinary من بينها: الفلسفة، وعلم اللغويات، وعلم نفس النمو، وعلم نفس العرفان، والاجتماع، والأنثروبولوجي، وفلسفة العلوم، والبحوث الأمبريقية في تعليم الرياضيات والعلوم واللغات.
ولذا فإن أحد أعلام الفكر التربوي في أوروبا Renders Duit يصفها بأنها: "صيغة فكرية حديثة، وأنها ذات نفع كبير لترشيد البحث التربوي، وتصويب الممارسات التعليمية".
وليس بمستغرب أن تتعدد المصطلحات التي تشير إلى النظرية البنائية، إذ يشار إليها أحياناً بمصطلح البنائيةConstructivism ، ومصطلح البنائية الاجتماعية Social Constructivism، ومصطلح البنائية النفسية Psychological Constructivism، ومصطلح البنائية الراديكالية Radical Constructivism
ولعل أقيم ما قيل عن البنائية هو ما تضمنه المجلد السنوى(*) الذي أصدرته أقدم وأرفع منظمة تربوية في أمريكا المعروفة باسم: National Society for the Study of Education (NSSE)، وأوجز فيما يلي أهم ما استخلصت من هذا المجلد.
قيل في هذا المجلد إن للبنائية صورتين مختلفتين هما: البنائية الفردية Individual Constructivism والبنائية الاجتماعية Social Constructivism ؛ وذلك على الوجه التالي:
البنائية الاجتماعية:
يشير المصطلح في هذه الصورة إلى نظرية تمت البرهنة على صحتها في مجالات معرفية مختلفة: فيزيقية، واجتماعية، وإنسانية، ومناطات التركيز في هذه الصورة هي ما يلي:
1- تؤكد النظرية على المعارف المنظمة التي تراكمت ولا تزال تتراكم – عبر الأحقاب- ويكمل بعضها بعضاً، مثلما ينقد بعضها بعضاً، ومثلما ينقض بعضها بعضاً، حين تُبْطِل النظريات الحديثة في مجالات مختلفة، النظريات التي سبقتها في أزمان سابقة. والسؤال المحوري الذي تثيره النظرية هو:
"كيف تشكلت- ولا تزال تتشكل- هذه المعارف على النحو الماثل
في مجالات المعرفة المنضبطة (Disciplines)؟
2- وفي الإجابة على هذا السؤال تؤكد البنائية الاجتماعية على أن أنظمة المعرفة المتعددة، ليست إلا تركيبات ذهنية إنسانية Human Constructs وأن الصورة التي صيغت – ولا تزال تصاغ- فيها المعارف في أنظمة المعرفة جميعها تمت وفقاً لمقتضيات أو قيود كثيرة، منها: سياسات الحكم، والأيدلوجية السائدة في المجتمع، والقيم الدينية والخلقية التي يؤمن بها من تصدوا- ويتصدون- لصنع المعارف وتوليدها، والنزوع إلى فرض القوة، وصيانة المصالح الاقتصادية الذاتية لمن صاغوا المعرفة أو يصوغونها، والحفاظ على مكانتهم الاجتماعية.
وجوهر ما قيل في هذا الصدد ينفي أن يكون تشكيل المعارف- أياً كانت- خاضعاً لفكر موضوعي صارم، بريء من القبليات العرفانية لصناع المعرفة أو لمن صاغوها أو يصوغونها.
3- ويتكامل مع ما سبق ويكمله مقولة أخرى، مغزاها "أن المعارف في المجالات المختلفة ليست انعكاساً موضوعياً لوقائع الوجود الطبيعي أو الاجتماعي أو الثقافي؛ وإنما هي تمثيل رمزي (لغةً، ورقماً، ورسماً، وتشكيلاً) للتصورات الذهنية التي عكستها الوقائع الخارجية في عقول من صاغوا هذه المعارف؛ حيث رآها كل عالم من خلال عين عقله، وعدسات العقول مثل عدسات العيون: محدبة، ومقعرة، ومستوية.
هذا، والأوصاف التي قدمناها هنا تعنى ما يلي:
أ- أن النظرية البنائية تنكر الوضعية المنطقية Logical Positivism التي أسسها الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي "أوجست كانت Auguste Conte"، ولا يزال لها من يؤمن بمقولاتها في منهجية البحث العلمي، وهي المنهجية أحادية البعد التي لا تختلف فيها طريقة البحث سواء "أكان الموضوع المبحوث بشراً، أم حجراً، أم شجراً، أم ظاهرة فيزيقية أو اجتماعية أو نفسية.
ونموذج البحث العلمي الصارم الذي تؤمن به الوضعية المنطقية وترفضه النظرية البنائية هو النموذج الذي يدعو في بحوث التخصصات جميعها – فيزيقية كانت أم اجتماعية أم إنسانية- إلى أن يتخلى الباحث حين يشرع في بحثه عن كل قبلياته العرفانية: خبراته، وقيمه، ومعتقداته، ومعارفه السابقة وأن يحرص على أن يتبنى الموضوعية الصارمة Solid objectivity والحتمية العلمية Scientific Determinism التي يصفها فلاسفة العلم ومؤرخوه منذ سنوات بأنها فكر متخلف يجب أن يتخلى عنه الباحثون في سائر المجالات.
ب- ومن مقتضيات البنائية الاجتماعية في رؤية أصل المعرفة الإنسانية على نحو ما قدمنا في الفِقْرة السابقة أن يراعى في التعليم أن المعارف لا تنقل من جيل إلى جيل، أو من المعلمين إلى المتعلمين؛ وإنما يبنى المتعلمون معارفهم في ضوء السياقات الفكرية والاجتماعية، وليس من خلال أدوات ابستمولوجية محضة. ويقال في هذا الصدد: إن الدليل والجدل المنظم والتعقل الذي يمارس في تعليم المعارف استعراضات لفظية وعقلية مبالغ فيها So much show، وأن "علم الاجتماع" هو النظام المعرفي الذي يعنى فيه – ضمن أمور أخرى- ببيان أثر القوى الاجتماعية، والأيدلوجيات (المذاهب الفكرية) في معتقدات الناس وطرق تفكيرهم.
ولذا، فإن المعارف المختارة للتعلم والتعليم في مجالات الحياة كافة يجب أن تكون ملائمة لتطوير الأسيقة الاجتماعية الراهنة، وتحديثها وفقاً للمعارف الجديدة، وفي أسيقة ومناخات تشجيع المتعلمين على بناء معارف جديدة، وتعاونهم على توظيفها في تلك الأسيقة. هذا، ومن عمالقة رواد البنائية الاجتماعية المعاصرين Kenneth Gergen.
البنائية الفردية:
رائد هذه الصورة في البنائية هو Ernest Von Glassersfeld وفي هذه الصورة من البنائية يتم التركيز على مثل الأسئلة التالية:
• كيف يتعلم الفرد المعارف المختلفة؟
• كيف يوظفها؟
• كيف يتأتى لمن يتولون تعليمه في وسائط التعليم المختلفة (الأسرة، والمدرسة، ووسائل الإعلام جميعها) أن يعاونوا المتعلم على أن يتخذ من المعارف المتاحة حالياً وسيلة إلى توليد معارف جديدة ومتجددة؟
معنى هذا هو أن هذه الصورة الفردية للبنائية تنصب معطياتها ومبادئها على إحسان تعلم المعارف، وعلى تصويب مجالات ومنهجيات البحث في الجوانب المختلفة للمعرفة.
ولذا، فإن هذه الصورة يُطلق عليها اسم البنائية النفسية Psychological Constructivism ومصطلح البنائية الراديكالية Radical Constructivism؛ وأوجز مناطات التركيز في هذه الصورة للبنائية فيما يلي:
1- إن المتعلمين – صغاراً كانوا أو كباراً- يبنون المعاني والمفهومات عن الموضوعات والذوات والأشياء بطريقة ذاتية داخلية فعالة. وأن بناءهم لهذه المعاني لا يتم إلا إذا استثيرت قِواهم الكامنة، واستدعيت "قبلياتهم العرفانية"، ورشدت من خلال أنفسهم.
2- إن المعارف المصاغة في رموز لغوية أو رقمية أو تشكيلية أو صوتية ليست نسخة مطابقة لوقائع العالم الخارجي؛ يستوي في ذلك العالم الطبيعي الوجودي، والعالم الثقافي الرمزي؛ وإنما هي – ليست أقل ولا أكثر- ممثلات للتصورات الذهنية التي عكستها الوقائع الخارجية للوجود المادي والاجتماعي والثقافي في عقول من قاموا بصياغة هذه المعارف، وهذا يعني أن المعارف جميعها "تُصنع ولا تُكتسب، تُبنى من داخل الفرد، ولا تُفرض عليه من خارجه"؛ وفي هذا المعنى يقـول Glassarfeld ما يلي:
"لقد وصلنا إلى التحقق من أن الفَهم Understanding أمرٌ يتصل بالملاءمة أو اللياقة Fit أكثر من اتصاله بالتكافؤ أو التناظر [بين المرسل والمتلقي]، وبعبارة أبسط نقول: إن فَهم ما قاله أو كتبه واحد من الناس يعنى – لا أقل ولا أكثر من- أنك استطعت أن تبنى بنية ذهنية لما سمعت أو قرأت، وأن هذه البنية في السياق الذي تشكلت في كنفه تبدو وكأنها موازية للبنية التصورية الذهنية التي كانت في ذهن المتحدث أو الكاتب. وهذه المقارنة أو الموازاة لا تجلِّى ذاتها إلا في الطريقة التي يعبر بها المتلقي [البنية السطحية للغة] والتي لا تتناقض تناقضاً تاماًَ مع توقعات المتحدث أو الكاتب"(*)؛ أي أنه ليس ضرورياً أن تتطابق مع ما تصوره منشئ اللغة متحدثاً كان أو كاتباً.
3- وتأسيساً على ما سبق، واستكمالاً لمغزاه في التعلم والتعليم – فإن أنصار البنائية الفردية لا يتصورون أن المعارف يمكن أن تُعلم من خلال بثها إلى المتلقين؛ بافتراض أن المتلقي سوف يتشبع بهذه المعارف بطريقة سلبية خامدة؛ وإنما يرون أن الإنسان (العارف) يبنى معارفه بطريقة ذاتية، يستخدم فيها قبلياته العرفانية Metacognition متفاعلة مع عملياته العقلية الآنية.
ويقال في هذا الصدد إن تطابق التعبير اللفظي في المفردات والجمل والتراكيب لدى فردين، عن موقف واحد، لا يعنى تطابق المعاني والمفهومات والتوجهات التي تُعبر عنها البنية السطحية للغة، ويستحضر المرء هنا ما قاله "تشومسكي" عن "البنية السطحية" و"البنية العميقة" للغة.
ولعل هذه التفرقة بين المعاني الذاتية التي تختلج داخل الفرد والتعبير عنها في رموز لفظية هو ما جعل كثيراً من المنظرين في مجالات البنائية يطلقون عليها البنائية النفسية Psychological Constructivism.
هذا، ووصف البنائية بأنها نفسية يسوغ لنا القول إنه ليست هناك طريقة واحدة يوصى بها في عمليات التعلم؛ وذلك لاختلاف سمات المتعلمين في قبلياتهم العرفانية Metacogntion، وفي مستوى دافعيتهم للتعلم، وفي أنماط تعلمهم، وأيضاً- لاختلاف موضوعات التعلم، واختلاف الغرض الذي يتوخاه المتعلمون منها.
أوجه الاختلاف والاتفاق بين صورتي البنائية:
أ- أوجه الاختلاف:
أحسب أن تشقيق "البنائية" إلى اجتماعية وأخرى فردية تصنيفٌ تحكمه في كثير من جوانبه الثنائية الشائعة في الفكر الغربي التي يُطرح فيها السؤال عن طبيعة الإنسان: أفردية هي أم اجتماعية؟ وهذا السؤال يعيدنا إلى التفكير الاستقطابي لأحد طرفي المتصل الفكري في أي موضوع؛ كأن يوضع الفرد في مقابل المجتمع، والعقل في مقابل الوجدان، والأصالة في مقابل الحداثة، ونحو ذلك.
لقد تشكلت من خلال الإجابة على هذا السؤال أيدلوجيات غربية تحت مسميات: الفردية Individualism والاشتراكية Socialism، ولا تزال آثار هذا الفكر الاستقطابي لأحد طرفي المتصلات ماثلاً في الحياة الفكرية الغربية والعربية، وقد تبدى حل هذه الإشكالية لدى بعض المفكرين فيما يطلقون عليه "التوليف Eclectivism" بين ما هو موجب وما هو سالب لتجاوز سوءات التفكير أحادي البعد Either Thinking.
ولعل السبب الرئيسي في شيوع هذه الثنائية هو الطموح الخاطئ الذي يستهدف إخضاع البحث في الدراسات الاجتماعية والإنسانية لنموذج البحث في العلوم الطبيعية Natural Sciences وهو ما تدعو إليه الوضعية المنطقية، ومنهجية البحث الأمبريقي؛ ليطبق في العلم الاجتماعي، وقد أدى هذا التطرف الفكري إلى تخلف البحوث في العلوم الاجتماعية والإنسانية عما هو الحال في العلوم الطبيعية.
هذا، وقد وصفت البحوث التي تخضع لهذا المنطق في العلوم الاجتماعية والإنسانية بأنها تستند إلى نظريات فاشلة بدرجة كبيرة وملحوظة، وأنها لا تفضي إلا إلى علم سيئ؛ فهذه البحوث قد تـنتهي إلى توضيحات لفظية، لما هو واضح أصلاً، وقد تفشل تماماً في التصدي للقضايا المهمة في حياة الناس، وقد تنتهي بأن تحيل الممارسين في العلوم والمهن الإنسانية إلى مهدرين لمواهبهم وطاقاتهم الفذة في محاولات هدفها أن يثبتوا أنهم- في النهاية- قادرون على استخلاص رؤى كلية للحياة العادية للبشر، وعلى صياغتها في لغات توضيحيه مختزلة Reductive(*).
وأعتقد أن سيادة الفكر الاستقطابي المختزِل في العلوم الاجتماعية والإنسانية فكرٌ عبثي؛ لا معنى له؛ فطبيعة الإنسان (مثلاً) طبيعة مزدوجة، يتماهى فيها ما هو فردي وما هو اجتماعي في آن واحد، ولا ينفك أحدهما عن الآخر في حالات السواء المتوازن، والتركيز على أي جانب منهما لا ينفى الجانب الآخر في أي حال من الأحوال، وهذا يعنى أن الإنسان اجتماعي حتى في أكثر لحظاته انعزالاً عن جماعته، وبنى جنسه؛ فهو في لحظات عبادته وتبتله الفردي لا ينسى الجماعة "إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم". [الفاتحة:5،6]
وجدير بالذكر هنا أن الثقافة الإسلامية ثقافة وسطية متوازنة، تنشد العدل والاعتدال، وترفض الفكر أحادي القطب في شئون العالم المشهود، وفردية الإنسان تكون في مساءلة كل فرد عما عمل وحسابه على ما أنجز، فلا تزر وازرة وزر أخرى، وفي التنزيل الحكيم: "ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً" [مريم: 80] وليس ثَمّة ما هو أروع وأبلغ في تحديد أن "العقاب والثواب" منوطٌ بعمل الفرد، المستخلف عن الله، وصاحب الإرادة الحرة في اختيار أحد النجدين: نجد الهدى أو نجد الضلال، وأن جماعة المسلمين عليها أن تعمل عملاً جماعياً يكون فيه صلاح الدين وصلاح الدنيا – أقول ليس ثمة تعبير أبلغ وأروع من قول العزيز الحكيم:
"من كفر فعليه كفره، ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون، ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله، إنه لا يحب الكافرين" [الروم: 44-45].
ويلفت الانتباه في هاتين الآيتين الكريمتين إسناد جزاء الكفر إلى عمل الفرد، وإسناد التمهيد للعمل الصالح والجزاء عليه إلى الجماعة "فلأنفسهم يمهدون"- والجزاء لمن "آمنوا وعملوا الصالحات".
وأخلص من هذا إلى القول إن الثقافة الإسلامية ترفض انشطار الإنسان إلى فرد متقوقع في ذاته وعلى ذاته مرة، وإلى فرد في جماعة مرة أخرى؛ إنه فرد تتماهى فيه الفردية والاجتماعية مثلما تتماهى اللحمة والسدى في النسيج، وبهذا التماهى والاندماج يكون الإنسان جديراً بأن يكون خليفة خالقه- جَلَّ وعَزَّ- في عمران الأرض.
ومعذرة لهذا الاستطراد الذي أردت به أن أؤكد أن تمايز صورتي البنائية: الفردية والاجتماعية لا يعنى – فيما أرى- أن إحدى الصورتين تناقض الأخرى؛ بل إن الصورتين تتكاملان في المواقف الحيوية. وتمايز إحداهما عن الأخرى لا يعنى التناقض بينهما؛ وإنما يعنى أن الفرد يرفد المجتمع، وأن المجتمع يرفد الفرد، مثلما يدعم الشق الأيمن في مخ الإنسان الشق الأيسر على الرغم من تمايزهما في البنية والهيكل، وهكذا يمكن القول إن اختلاف مناطات التأكيد في صورتي "البنائية" أمرٌ تدعو إليه الحاجات الفردية، والحاجات الاجتماعية حين يختل توازن الفرد أو توازن الجماعة.
ب- أوجه الاتفاق:
تتفق البنائية في وجهيها الفردي والاجتماعي على ما يلي:
1- إنكار الوضعية المنطقية، وما يتفرع عنها في العلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانية.
2- ترفض البنائية في صورتيها الاجتماعية والفردية اتخاذ النظرية السلوكية مدخلاً وحيداً للتربية. وتؤكدان أن السلوكية تمثل تصورات خاطئة للوظائف العقلية التي تنبثق وتُمارس في عمليات التعلم والتدريس.
وأمثلة هذا الخطأ كثيرة منها: الخطأ في تقدير الدافعية الداخلية، وتسييد السلوكيات التي يمكن ملاحظتها على ما عداها من سلوكيات باطنة داخلية؛ بحجة أنها لا يمكن قياسها أو استنتاجها بطريقة مباشرة، والاعتماد على اختبارات التحصيل أكثر من اعتمادها على اختبارات التفكير، والاعتماد – أيضاً- في الاختبارات المقننة على أن هناك إجابة واحدة صحيحة، واللجوء إلى اختبارات الأداء Performance منعزلة عن اختبار الكفاءة Comptence.
3- تؤمن البنائية بوجهيها الفردي والاجتماعي بأن فكرة المعرفة الموضوعية الصحيحة، والإجابة الوحيدة للتساؤلات في مجالات الحياة ليست هدفاً مرغوباً فيه في شأن العالم الحسي المشهود، ويستبدلان بهما هدفاً آخر، لكونه أكثر ملاءمة لطبيعة الفرد في السياقات الاجتماعية، وهو الفهم Understanding سواء أُريد به عملية الفَهم Process أو نواتج الفَهم Productions.
4- تعارض البنائية في صورتيها الفردية والاجتماعية الفكرة القائلة إن المعارف تكتسب بطريقة التشبع السلبي Passive Absorbtion وتقترح أن يُعتمد في التعلم على تفعيل "القبليات العرفانية" لدى المتعلم الفرد ولدى مجموعة المتعلمين، وعلى أن يبذل المتعلمون جهوداً نشطة تنبع من قرارة أنفسهم؛ لأن نواتج مثل هذا التعليم تكون أكثر خصباً، وأعظم نفعاً للفرد وللمجتمع، وتستند البنائية في هذا إلى أن الإنسان مفطورٌ على البحث بدوافع داخلية، تستهدف أن ينشئ المعاني، ويسقط التركيبات العقلوجدانية على العالم الذي يكتنفه في سياقاته الزمكانية والاجتماعية؛ ليتيسر له التعامل معه في سياقات اجتماعية.
5- تؤكد البنائية في وجهيها أن التعلم الذي يبذل فيه جهد ذاتي داخلي في مناشط التعلم العقلوجدانية والاجتماعية يخلق لدى المتعلم التزامات جديدة تجاه بنية الفرد العقلية Interamental وتجاه البنية الذهنية الاجتماعية التي تكتنف جماعة المتعلمين Intermental.
6- تتفق الصورتان: الفردية والاجتماعية على أن المناهج التي تحدد أهدافها - مسبقاً- خارج الموقف التعليمي يجب ألا تفرض على الطلاب بوصف أنها السيد المطاع؛ وإنما يجب أن ينظر إليها على أنها لا تعدو أن تكون فروضاً، قد تُثبت الممارسة العملية في المواقف التعليمية بطلانها، وقد تؤصل الممارسة ضرورة تعديلها بالحذف أو الإضافة أو تقديم فروض بديلة لها. والفروض – في هذه الحالة- لا تعدو أن تكون مقولات تعبر عما يتوقعه من وضعوها – مهما أحسنت صياغتها، وأجيد سبكها- في رموز لغوية أو رقمية. أي أن الجهد الذي يبذل في صياغة الأهداف الإجرائية، ومثلها المعايير القومية التي تشغل بعض المسئولين عن التعليم في الدول العربية منذ عام مضى- هذه الأهداف وتلك المعايير ليست ضماناً لجودة العمليات التعليمية التي تلي وضع الأهداف وصياغة المعايير. لمــاذا؟
لأن أهداف التعليم، وما يقال عن معايير لمفردات نظام التعليم (الأهداف- المناهج- الكتب الدراسية- المعلمون- التدريس والتعلم- الامتحانات) لا تخضع تمام الخضوع وأكمله للأهداف والطموحات والرغبات التي يصوغها من يضعون الأهداف، ومن يحددون المعايير ويصكونها؛ بسبب أن الروابط المِفصلية بين مكونات النظام التعليمي مفاصل رخوة وهشّة، وليست متماسكة أو صلبة على النحو الذي نجده في نظم الصناعة والإنتاج (مصانع السيارات، ومصانع الأسلحة، ومصانع الأغذية، ومصانع الأحذية) ففي تلك النظم تكفل جودة المدخلات الخارجية – كماً ونوعاً في الأعم الأغلب- جودة المخرجات إذا أُحسنت عمليات النظام.
أما نظام التعليم ففيه مُدخلات داخلية؛ تؤثر في عمليات النظام ونواتجه، ومن هذه المدخلات مستوى دافعية المتعلم، وقبلياته العرفانية، ومستوى دافعية المعلم للتعليم، ومدى رضاه عن مهنته، والأساليب التي يستخدمها المعلم في التدريس، ومدى فَهمه لاستراتيجيات التعليم الذي يؤدى إلى الغاية النهائية لنظام التعليم؛ وهي التعلم. وهذه المدخلات لا يتأتى لواضعي الأهداف وصائغى المعايير التنبؤ بها؛ وإنما تنبثق هذه المدخلات من خلال تبادل التأثير Transaction في الموقف التعليمي ذاته، وهي المتغيرات الحاسمة في نواتج التعليم.
مما يستأهل الذكر هنا التنويه بأن البنائية ليست اختراعاً حديثاً؛ حقاً لقد كَثُرت الكتابات وزاد الجدل حولها في العقدين الآخيرين من القرن العشرين، ولكن الثابت أن لها تاريخاً مجيداً في الفكر الغربي؛ ترى بعض جذوره في فكر "John Locke" مؤسس الاتجاه الأمبيريقي في نظرية المعرفة؛ حيث كان يعتقد أن الأفراد يبنون أرصدتهم المعرفية بطريقة ميكانيكية، وذلك من خلال تأسيسها على أفكار بسيطة؛ تشتق من خبراتهم، وذلك في مثل قوله: "إذا لم تكن قد خبرت اللون الأزرق لفتيل الشمعة وهو يحترق، فإنك لا تستطيع أن تعرف معنى الزُرقة".
ونجد بعض جذور البنائية لدى – "رنييه ديكارت Rene Decartes"؛ إذ أنه جعل التفكير هو ملاك كينونة الوجود الإنساني، ويتبدى هذا في مقولته: "أنا أفكر، إذن فأنا موجود Cogito, ergo sum".
وجذور البنائية ماثلة لدى " إيمانويل كانتImmanuel Kant " في قوله: إن جوانب معينة في المعرفة البشرية المتصلة بالوجود الفيزيقي، مثل: مفهوم الوقت، ومفهوم الفضاء Space إنما هي نتاج لجهازنا العرفاني، إذ يقول: "نحن نركب العالم لتكون له خصائص معينة، أو بالأحرى إننا من خلال ملكة الفَهم نفرض خصائص الزمان والمكان على خبراتنا"(*) .
هذا، والنموذج العام الذي حددته البنائية للعرفان سبق إليه "جان بياجيه Jean Piaget" متأثراً فيه بفلسفة "كانت Kant" ويكفي في بيان ذلك أن يستحضر المرء المنظومة ذات المبادئ الثلاثة التي حددها "بياجيه" لعمليتي: العرفان Knowing والتعلم Learning ممثلة في:
• مبدأ الاستدخال Assimilation .
• مبدأ التمثل Accomadation.
• وأخيراً مبدأ التكيف Adaptation.
وقد أفصح "بياجيه" بوضوح عن تبنيه لجوهر "البنائية" حين جعل عنواناً لأحد مؤلفاته "بناء الطفل للواقع The Child's Construetion of Reality ".
وكان "كارل ماركس Karl Marks" بنائياً؛ في اعتقاده أن أفكار الطبقة الحاكمة في أي مجتمع، أفكارٌ موجهةٌ لحماية مصالح تلك الطبقة، وأن هذه الأفكار والتوجهات هي التي تحكمت في صياغة المعارف الإنسانية الاجتماعية في معظم أنظمة المعرفة، ومن هنا كان حرص فلاسفة العلم "كارل بوير Karl Popr- مثلاً-" على ضرورة تبنى العقلانية الناقدة في دراسة ومناقشة وتحليل المذاهب الاجتماعية المختلفة. وهذا ما أكدته "البنائية الاجتماعية".
أما البنائية السيكولوجية Psychological Constructivism فقد تحدث عنها "جون ديوي John Dewey" منذ منتصف العقد الثاني في القرن العشرين وكانت محور حركة التربية التقدمية التي قادها في أمريكا. وقد أودع خلاصة فكره عن البنائية في ثلاثة من كتبه هي:
1- الخبرة والتربية Experience and Education.
2- الخبرة والفنون Experience and Arts.
وقد ترجما إلى اللغة العربية؛ ترجم الأول "رفعت رمضان ونجيب اسكندر" وترجم الثاني "محمود بسيوني".
3- الميل والجهد في التربية Interest and Effort in education.
وأعتقد أن من أقوم ما قيل في اللغة العربية عن "البنائية" ومقتضياتها في التعليم المدرسي هو ما قاله الشاعر العربي الذي هجر وطنه "جبران خليل جبران"؛ وذلك حيث يقول:
لا أحد يكشف لك عن فكرة إلا إذا كانت غافية في فجر معرفتك.
المعلم الحق الذي يتجول بين طلابه لا يعطيهم من حكمته؛ بل من إيمانه ومحبته.
وإن يكن حكيماً- حقاً- فإنه لا يدخل بهم إلى دار حكمته؛ ولكنه يقودهم إلى عتبة عقولهم.
يستطيع الفلكي أن يحدثك عن الفضاء؛ ولكنه لا يستطيع أن يمنحك فَهمه للفضاء.
والموسيقي يمكن أن ينشدك لحناً يدوي في كل الأجواء؛ ولكنه لا يستطيع أن يعيرك الأذن التي التقطت اللحن، ولا الصوت الذي يحاكيه.
وعالم الرياضيات الماهر يمكن أن يحكي لك عن الموازين والمقاييس في كل بقاع الأرض؛ ولكنه لا يستطيع أن يسرى بك إلى هذه البقاع، لأن رؤية الإنسان تمثل جناحيه، وهما لا يعاران لإنسان آخر.
وكما أن كل فرد منا يقف وحيداً – في علم الله- فإنه يجب أن يكون وحيداً في معرفته بالله، وفي فَهمه لعالم الأرض(*).
وفي هذا النص الذي يفيض بالحكمة والشاعرية قرينة صدق ما قلت في بداية حديثي عن هشاشة النظرية الاجتماعية، وأنها نظرية مفتوحة يتأتى لغير واحد من المفكرين أن يصلوا إليها في وقت واحد على الرغم من تباعد المكان، وفقدان الوصال بينهم.
وقد يفيد أن أقرن بعض ما جاء في النص السابق بما يتحدث عنه – الآن- في علم نفس العرفان:
قول جبران: "... إلا إذا كانت الفكرة غافية في فجر معرفة المتعلم" إشارة واضحة إلى أثر القبليات العرفانية Metacognition في التعلم الآني.
قوله: "... لا يدخل بهم إلى دار حكمته؛ ولكنه يقودهم إلى عتبة عقولهم" يمثل كشفاً مبكراً للدور الذي يجب أن يضطلع به المعلم، ومغزاه أن يكون دوره دفع المتعلمين إلى أن يبنـوا معارفهـم وأفهامهـم من خلال إعمـال عقولهـم هم، وذلك هو الجسر الذي يصل التدريس (أفعال المعلم) بالتعلم (أفعال المتعلمين)، متمثلاً في العمليات العقلية التي يجب أن تكون إثارتها واستنفارها هما غاية "التدريس"، ومن خلال هذه العمليات ينبثق "التعلم" القائم على الجهد الذاتي للمتعلمين.
قوله: "... يقف وحيداً في علم الله... يجب أن يكون وحيداً في معرفته بالله، وفي فَهمه لعالم الأرض" إشارة مبكرة، وقرينة قوية على الإيمان الذاتي، الذي يؤسس على الجهد الذاتي والتعلم الانفرادي، سواء في ذلك ما يتصل بعالم الغيب، وما يرتبط بالعالم المشهود "عالم الأرض".
وأحسب أن تفكيك هذا النص – على نحو ما قدمت- قد يوحي في فِقْرته الأخيرة بالانحياز إلى مذهب الفردية Individualism؛ ولكن هذه الخاطرة يدفعها ما جاء في النص عن التدريس والتعلم الجمعي، وفي النص كله بيان واضح لدور كل من المعلم والمتعلم.. وقد أشرت -قبلاً- إلى الوسطية الإسلامية التي ترى أن الإنسان "فرد اجتماعي" في آن واحد، وأن طبيعته المتوازنة تقتضي إعمال كل إمكاناته البدنية والنفسعقلية في آن واحد، وأن نتفادى الإسراف في تفضيل أحد جانبي الإنسان- المادي الجسدي، والعقلي الروحي- على الجانب الآخر؛ إذ إن شخصية الإنسان الذي هو أكرم مخلوقات الله وخليفته في إعمار الكون يختل توازنها حين نعلى حقوق أحد الجانبين ونبخس الجانب الآخر.
هذا، وأنهى هذا الحديث بشكري الجزيل لحسن استماعكم. وأحسب أن للبنائية وللقبليات العرفانية مقتضيات وتطبيقات شتى، في تعلم وتعليم كل المواد والأنشطة والقيم التي تتصدى المدارس والجامعات لتعليمها؛ وعلينا أن نتواصى أن يبذل كل منا جهده في هذا المجال، وأن تأتلف الجهود الفردية في صورة جمعية واجتماعية، يمكن أن يفيد منها التعليم في مصر. والله يرعانا جميعاً، ويسدد على طريق الخير خطانا .
منقول
اعداد
أ.د أحمـد المهـدى عبـد الحليـم
أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغـة العـربيـة
"غير المتفرغ" بجامعتي حلوان و الأزهر.
2003م