أخذنا نشكو إلى الزمان أمورنا، وتركنا من هو جدير بأن يُشتكى إليه، فعادت إلينا شكوانا وقد تعسرت حلقاتها، وتكشفت أنيابها فنبُئنا بالخسران والندامة، وأخذنا نتهافت على الدنيا كتهافت الفراش على نور المصباح فأحرقتنا بلظاها، ونفثت فينا سمومها، فلم نعد نملك الإحساس الطبيعي الذي ينبغي أن نمتلكه؛ لأنه هدية ربانية لا تعوض ولا نسعد إلا بها. ولم نقف عند هذا الحد، بل بدأنا ننزل عن المستوى الذي يليق بنا كبشر مكرمين على غيرهم، إذ شرعنا في أكل لحوم بعضنا البعض بأشكال شتى يقف على أعتابها الحقد الدفين التي تضمره القلوب، وتزينه بالمظهر الزائف، والنظرات القاتلة والمزرية التي تخترق الأحشاء فتدمي صميمها، وكذلك اللسان الذي (يعلك) بعيوب الآخرين وعوراتهم وأخطائهم متناسياً عيوب النفس وعوراتها، أفلا ننزجر بعد هذا كله، وننتهي عن الخوض في أعراض الآخرين.
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن
وليت الأمر وقف عند هذا الحد وكفى، بل أصبحت أخلاقنا تزداد سوءاً، ولا أبالغ إذا قلت إنها أكلت بذور الخير المغروسة فينا بالفطرة، فقلما نجد نفحات من الرحمة والإحسان والحب الصادق والإيثار النفيس، كل ذلك أصبح في قائمة المنسيات التي لا نلجأ إليها إلا عند وقوع المصائب والعثرات، أو لتحقيق مصلحة ذاتية، فما بالنا بعد هذا كله نولول، ونلعن حياتنا، ونحن الذين بنينا أساسها، وعلّقنا عليها كل ما خدش فينا معنى الاستخلاف، وبهذا ينطبق علينا المثل القائل "على نفسها جنت براقش" وللأسف الشديد من لم تكن هذه حقيقته نجده يحرض على ذلك، أو نجده شيطاناً أخرس عن تقديم النصح والإرشاد، ومهما كان موقفه فهو من أنصار معركة الحياة الخاسرة التي تعطينا، ثم تلدغنا من حيث لا ندري، فلو أحسنّا اختيار العطاء، ووضعناه في محله وفق ما يرضي الله سبحانه، لأجزل لنا المكافأة، ولظلت أجنحتنا مورقة نقوى بها على مطاردة النفس وشيطانها، والتحليق في عالم السعادة الحقيقي.
كثيرة هي التساؤلات عن أسباب ما نحن فيه من التيه والضياع، ولكنّني أرى أن أول هذه الأسباب وأقواها أننا نسينا ربنا فأنسانا أنفسنا، وسلط علينا ما نستحقه، قال تعالى: "ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون". وكل هذا بعد أن أعطانا ما ينير لنا الطريق، ويقينا شر أنفسنا، وشر الشيطان وأعوانه، فما أحوجنا في هذه الأيام إلى قلوب صافية، ونفوس عفيفة شريفة لا تعرف حقداً ولا ضغينة، ولا مكراً ولا خيانة، لسان حالها رضاك وهداك وجنتك يا رب، أجل، لنبك على ندرة هذه القلوب وأصحابها، التي كانت في يوم من الأيام تعادل النجوم في أعدادها وأفعالها، وكانت سبباً في إقامة دولة الإسلام وتحقيق النصر المبين الذي انتشت برائحته أرجاء المعمورة، أفلا نحاول بعد التكثير منها بالإرادة والعزيمة؟ وما بالنا نحن البشر لا نطهر قلوبنا، وننقي أنفسنا من براثنها، فلنحاكِ السماء في طهرها، والأرض في نقائها والله إنها لأعظم لحظة يوم نجسّد هذه اللمسات على أرضنا وواقعنا، فقد تذوقتها حين غنم بها منامي، وتردد صداها في أذني، عندها لم أجد ما أعبر به عن ذلك إلا بنقشها بمرآة قلمي، فقلت: "أطلقت يدي، فعادت وقد لامست طهر السماء ونقاء الأرض" فما أعظمك يا الله! فلو استقامت نفوسنا لاستقام كل شيء في حياتنا، لكننا للأسف ضيعناها فضاع كل شيء جميل في حياتنا، ولم نعد نرى الأشياء إلا بعين القبح، فساءت لذلك أخلاقنا، وتربيتنا لأولادنا وعلاقتنا بهم، وأخذ العقوق يغزو بيوتنا، ولم يعد الجار يتفقد جاره، بل ربّما لعنه، وتمنى فقره، ولم يعد يتقبل النصيحة إلاّ من رحم ربّي، وبعد أوليس العيب فينا وفي تصرفاتنا.
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا
فكم من كلام ينطلق من الأفواه، فهل سألنا أنفسنا لِمَ خرج؟ وأين سيقع؟ وما الفوائد المترتبة عليه؟ وهل أخلصنا فيه النية لله؟ أعمال كثيرة تُؤدى لكن هل يا تري ستُقبل؟ نتحدث عن البركات التي كانت تتنزل على الأجداد والآباء، ونتمنى أن نحظى ولو بشيء يسير منها، لكننا لم نعلم أنها تأتي مع التقوى والنوايا الحسنة، فلو اتقينا الله، وصفّينا النوايا لهبطت علينا البركات جملة واحدة، ولرزقنا الله كما الطير تغدو خماصا وتروح بطانا، لكننا لا نسمع إلا كفرانا للنعمة، وجحوداً لها فكانت العاقبة من جنس العمل، قال تعالى: " وجزاء سيئة سيئة بمثلها"، وقال تعالى: " وما كان ربك ليهلك القرى وأهلها مصلحون"، فمن اتقى الله حق تقاته جنبه المعاصي، وفتح عليه في الدنيا والآخرة.
فمن هنا، على كل انسان أيا كان أن يتقي الله في سمعه وبصره ومأكله ومشربه وملبسه، وأن يخالق الناس بخلق حسن، وأن يعمل جاهداً ليطلق نفسه من قيد هواها وظنها السيئ حتى يسمو إلى المقام المرتضى الذي ما زال ربنا يزينه لنا؛ لأنه يحبنا، ويبغي لنا الخير مع أنه الغني عنا، ونحن الفقراء إليه فهل نقابل هذه المحبة بالكره والمعصية؟ إياكم ونفسي أسأل؟
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن
وليت الأمر وقف عند هذا الحد وكفى، بل أصبحت أخلاقنا تزداد سوءاً، ولا أبالغ إذا قلت إنها أكلت بذور الخير المغروسة فينا بالفطرة، فقلما نجد نفحات من الرحمة والإحسان والحب الصادق والإيثار النفيس، كل ذلك أصبح في قائمة المنسيات التي لا نلجأ إليها إلا عند وقوع المصائب والعثرات، أو لتحقيق مصلحة ذاتية، فما بالنا بعد هذا كله نولول، ونلعن حياتنا، ونحن الذين بنينا أساسها، وعلّقنا عليها كل ما خدش فينا معنى الاستخلاف، وبهذا ينطبق علينا المثل القائل "على نفسها جنت براقش" وللأسف الشديد من لم تكن هذه حقيقته نجده يحرض على ذلك، أو نجده شيطاناً أخرس عن تقديم النصح والإرشاد، ومهما كان موقفه فهو من أنصار معركة الحياة الخاسرة التي تعطينا، ثم تلدغنا من حيث لا ندري، فلو أحسنّا اختيار العطاء، ووضعناه في محله وفق ما يرضي الله سبحانه، لأجزل لنا المكافأة، ولظلت أجنحتنا مورقة نقوى بها على مطاردة النفس وشيطانها، والتحليق في عالم السعادة الحقيقي.
كثيرة هي التساؤلات عن أسباب ما نحن فيه من التيه والضياع، ولكنّني أرى أن أول هذه الأسباب وأقواها أننا نسينا ربنا فأنسانا أنفسنا، وسلط علينا ما نستحقه، قال تعالى: "ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون". وكل هذا بعد أن أعطانا ما ينير لنا الطريق، ويقينا شر أنفسنا، وشر الشيطان وأعوانه، فما أحوجنا في هذه الأيام إلى قلوب صافية، ونفوس عفيفة شريفة لا تعرف حقداً ولا ضغينة، ولا مكراً ولا خيانة، لسان حالها رضاك وهداك وجنتك يا رب، أجل، لنبك على ندرة هذه القلوب وأصحابها، التي كانت في يوم من الأيام تعادل النجوم في أعدادها وأفعالها، وكانت سبباً في إقامة دولة الإسلام وتحقيق النصر المبين الذي انتشت برائحته أرجاء المعمورة، أفلا نحاول بعد التكثير منها بالإرادة والعزيمة؟ وما بالنا نحن البشر لا نطهر قلوبنا، وننقي أنفسنا من براثنها، فلنحاكِ السماء في طهرها، والأرض في نقائها والله إنها لأعظم لحظة يوم نجسّد هذه اللمسات على أرضنا وواقعنا، فقد تذوقتها حين غنم بها منامي، وتردد صداها في أذني، عندها لم أجد ما أعبر به عن ذلك إلا بنقشها بمرآة قلمي، فقلت: "أطلقت يدي، فعادت وقد لامست طهر السماء ونقاء الأرض" فما أعظمك يا الله! فلو استقامت نفوسنا لاستقام كل شيء في حياتنا، لكننا للأسف ضيعناها فضاع كل شيء جميل في حياتنا، ولم نعد نرى الأشياء إلا بعين القبح، فساءت لذلك أخلاقنا، وتربيتنا لأولادنا وعلاقتنا بهم، وأخذ العقوق يغزو بيوتنا، ولم يعد الجار يتفقد جاره، بل ربّما لعنه، وتمنى فقره، ولم يعد يتقبل النصيحة إلاّ من رحم ربّي، وبعد أوليس العيب فينا وفي تصرفاتنا.
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا
فكم من كلام ينطلق من الأفواه، فهل سألنا أنفسنا لِمَ خرج؟ وأين سيقع؟ وما الفوائد المترتبة عليه؟ وهل أخلصنا فيه النية لله؟ أعمال كثيرة تُؤدى لكن هل يا تري ستُقبل؟ نتحدث عن البركات التي كانت تتنزل على الأجداد والآباء، ونتمنى أن نحظى ولو بشيء يسير منها، لكننا لم نعلم أنها تأتي مع التقوى والنوايا الحسنة، فلو اتقينا الله، وصفّينا النوايا لهبطت علينا البركات جملة واحدة، ولرزقنا الله كما الطير تغدو خماصا وتروح بطانا، لكننا لا نسمع إلا كفرانا للنعمة، وجحوداً لها فكانت العاقبة من جنس العمل، قال تعالى: " وجزاء سيئة سيئة بمثلها"، وقال تعالى: " وما كان ربك ليهلك القرى وأهلها مصلحون"، فمن اتقى الله حق تقاته جنبه المعاصي، وفتح عليه في الدنيا والآخرة.
فمن هنا، على كل انسان أيا كان أن يتقي الله في سمعه وبصره ومأكله ومشربه وملبسه، وأن يخالق الناس بخلق حسن، وأن يعمل جاهداً ليطلق نفسه من قيد هواها وظنها السيئ حتى يسمو إلى المقام المرتضى الذي ما زال ربنا يزينه لنا؛ لأنه يحبنا، ويبغي لنا الخير مع أنه الغني عنا، ونحن الفقراء إليه فهل نقابل هذه المحبة بالكره والمعصية؟ إياكم ونفسي أسأل؟